بازگشت

ولادته و نشأته


والظاهرة الفذة التي امتاز بها الاسلام علي بقية الاديان و المذاهب الاجتماعية الاخري هو انه رفع شعار المساواة، و هدم الحواجز بين الناس، و قد تبني ذلك بصورة ايجابية فعالة، فجهز جميع طاقاته و امكانياته في تطبيقها علي مسرح الحياة، و اعتبرها عنصرا أساسيا من عناصر حضارته، و عاملا مهما في بناء تكوينه الاجتماعي.

الناس في شريعة الله سواسية كأسنان المشط، لا امتياز لاحد علي احد و لا تقديم لقوم علي آخرين، فهم علي صعيد واحد من ناحية حقوقهم و كرامتهم، لا تفاوت بينهم الا بالتقوي و العمل الصالح الذي يقرب الانسان من ربه، و يبعده عن عوامل الشر، و نزعات الطيش و الغرور.

بهذه المبادي ء العليا التي تجمع القلوب، و توحد مابين المشاعر و العواطف جاء الاسلام، و عليها ارتكزت دعوته، و دعا لمن يتصدي لتصديعها أن يعلو وجهه بالسيوف لئلا تكون بين المسلمين ثغرة يتصدع بها شملهم، و تتمزق بها وحدتهم.

و قد تنكر الامويون لهذه القاعدة الاساسية في الاسلام فحملوا معول الهدم علي انقاضها، لانها تتنافي مع ميولهم الجاهلية، و تتنافي مع مصالحهم الطبقية، فراحوا يعملون بقوي مسعورة الي محوها عن الحياة الاسلامية، و قد تجلي ذلك فيما عمدوا اليه من المبالغة في الذم و التقريع لمن يتزوج بأمة من العرب، و لم يقتصروا علي ذلك و انما تعدوه الي القسوة و التعذيب لمن يشذ عن ذلك، فقد علم طاغية من ولاتهم ان شخصا من بني سليم قد تزوج بأمة فأمر باحضاره، و ضربه مائة سوط، و فرق بينه و بين زوجه، و حلق رأسه و لحيته و حاجبيه» [1] و في عرفهم أنه قد اقترف بذلك جناية و سعي في الارض فسادا يستحق عليه التنكيل.



[ صفحه 38]



و حرموا علي ابن الامة أن يتولي أي منصب من مناصب الدولة، أو يتقلد وظيفة من الوظائف العامة، و زعموا عدم صلاحيته لها [2] و بهذا المنطق الجاهلي احتج طاغية الامويين هشام بن عبدالملك علي زيد بن علي شهيد الشرف و الاباء فقد قال له هشام يحاجه:

«بلغني أنك تذكر الخلافة، و تتمناها، و لست أهلا لها، و أنت ابن أمة».

فانبري اليه زيد فسدد له سهما من منطقه الفياض قائلا له:

«ان الامهات لا يقعدن بالرجال عن الغايات، و قد كانت أم اسماعيل أمة لام اسحق فلم يمنعه ذلك أن بعثه الله نبيا، و جعله أبا للعرب، و أخرج من صلبه خير الانبياء محمد (ص)..» [3] .

و لما تبني الامويون هذه السياسة النكراء التي تتصادم مع واقع الاسلام انبري اليها أهل البيت بالانكار و التشهير فهتفوا بما جاء به جدهم المنقذ الاعظم صلي الله عليه و آله و سلم من المساواة العادلة بين المسلمين، و ضربوا للناس أمثلة عملية واضحة لتأكيدها، فقد اعتق الامام زين العابدين جارية له و بعد العتق تزوج بها، و قد انتهز هذه البادرة خصمه عبدالملك فراح يندد به و يعيب عليه، فبعث له رسالة يلومه فيها، و هذا نصها:

«أما بعد، فقد بلغني تزويجك مولاتك، و قد علمت أنه كان في اكفائك من قريش من تمجد به في الصهر، و تستنتجبه من الولد، فلا لنفسك نظرت، و لا علي ولدك أبقيت والسلام؟..».

و لما مثل الكتاب بين يدي الامام نظر فيه فرأي روح الجاهلية ماثلة في سطوره و حروفه، فرده (ع) بهذا الجواب الذي تمثلت فيه مبادي ء



[ صفحه 39]



الاسلام و أهدافه و هذا نصه:


پاورقي

[1] الاغاني 4 / 150.

[2] العقد الفريد 4 / 160.

[3] الكامل لابن الاثير 5 / 84.