العصمة
ان عصمة الامام - عند الشيعة - قاعدة أساسية في الامامة، و هي من المبادي ء الأولية في كيانهم العقائدي، و قد عرفها المتكلمون، فقالوا: انها لطف من الله يفيضها علي أكمل عباده، و أفضلهم عنده، و بها يمتنع من ارتكاب الآثام و الجرائم عمدا و سهوا... و قد أثارت عليهم هذه العقيدة الكثير من التهم و الطعون، و اتهمهم قوم بالغلو و الافراط في الحب. ولكنا اذا رجعنا الي الأدلة نجدها مؤيدة لما تذهب اليه الشيعة، و يكفينا في الاستدلال علي ذلك آية التطهير قال تعالي: «انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا» [1] و هي تدل بوضوح علي عصمة أئمة أهل البيت (ع) من الذنوب و طهارتهم من الزيغ و الرجس، و ذلك بما جاء فيها من حصر ارادة اذهاب الرجس - أي المعاصي - بكلمة انما التي هي من أقوي أدوات الحصر، و بدخول اللام في الكلام الخبري، و تكرار لفظ
[ صفحه 112]
الطهارة، و كل ذلك يدل بحسب الصناعة علي الحصر و الاختصاص، كما ان ارادة الله باذهاب الرجس عنهم يستحيل فيها أن يتخلف المراد عن الارادة قال تعالي: «انما أمره اذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون» و بهذا يتم الاستدلال علي عصمتهم من كل ذنب و معصية [2] .
كما أن حديث الثقلين يدل علي العصمة بوضوح، فقد قرن فيه الرسول (ص) بين الكتاب و عترته، و كما ان الكتاب العزيز معصوم من الخطأ و الزلل فكذلك العترة، و الا لما صحت المقارنة و المساواة بينهما. و بعد توفر الأدلة الحاسمة علي اعتبارها في الامام فلا مساغ للانكار علي الشيعة بذلك، قال العلامة الشيخ محمد أمين زين الدين:
«و ما يصنع الشيعة اذا اضطرتهم طبيعة الاسلام ذاتها الي هذه العقيدة؟
و ما يعملون اذا قادتهم نصوص القرآن و صحاح السنة و دلائل العقل؟
ما يعملون اذا قادتهم هذه الحجج كلها قودا الي هذه النتيجة؟
و العصمة التي يشترطونها في امام المسلمين، هل تخرج به عن مصاف البشر، و تلحقه بعداد الآلهة كما يشتهي أن يقول المتقولون؟
هل العصمة في ذاتها جزء الهي حتي اذا اشترطناها فقد قلنا في الخليفة بالحلول؟ و هل للالوهية أجزاء لتعد العصمة من هذه الأجزاء، و لتستطيع هذه الفرية أن تقف علي قدم، ألم تشترطها جمهرة المسلمين في رسالة الرسول؟
فهلا كانت لها هذه اللازمة هناك؟ و هل نقدها أحد هناك بمثل هذا النقد؟ العصمة شرط في رسالة الرسول لدي جمهور المسلمين و ان اختلفت فرقهم في تحديد هذا الشرط: أهو العصمة في عهد النبوة فقط أم العصمة حتي فيما قبل هذا العهد؟
[ صفحه 113]
و يقول: و شيعة أهل البيت وحدهم يقولون: الشرط في رسالة الرسول و في امامة الامام العصمة في كل أدوار الحياة من جميع أصناف الذنوب، و من جميع أنواع النقائص حتي من الخطأ و الغفلة و السهو.
و العصمة رصيد نفساني كبير يتكون من تعادل جميع القوي النفسانية، و بلوغ كل واحدة منها أقصي درجة يمكن أن يبلغها الانسان، ثم سيطرت القوة العقلية علي جميع هذه القوي و الغرائز و الركائز سيطرة كاملة حتي لا تشذ في أمر و لا تستغل دونها في عمل.
هذه الحصانة الذاتية التي يرتفع بها الانسان الأعلي عن الاتضاع في طبيعته، و يمتنع بها عن الانزلاق في ارادته، ثم عن الانحرافات و الالتواءات التي تترسب في منطقة اللاشعوري و تتحول - كما يقول العلماء النفسانيون - عقدا نفسية تتحكم في دوافع المرء و في سلوكه، و في اتجاهاته و ملكاته و تسوقه من حيث لا يريد الي النشوز عن الحق و الشرود عن العدل، هذه الحصانة الذاتية التي توقظ مشاعر الانسان الكامل فلا يغفل، و يعتلي بملكاته و اشراقه فلا ينزلق، و لا يكبو، والتي تكفل له صحته النفسية من كل وجه، هذه هي العصمة التي يشترطها مذهب أهل البيت في الرئيس الأعلي لحكومة الاسلام، و في ظني انه شرط بمنتهي الجلاء كما انه بمنتهي الحكمة..» [3] .
ان المنطق العلمي بجيع أبعاده يقضي بصحة ما تذهب اليه الشيعة من اعتبار العصمة في أئمة أهل البيت (ع) اما القول المعاكس له فهو بعيد عن منطق الدليل و البرهان.
و بقي هنا شي ء و هو اعتقاد الشيعة بأن الامام لابد أن يكون أعلم الناس و أفضلهم في مقدراته العلمية، و قد أوضح هذه الجهة و أولاها بمزيد من البيان و الاستدلال سماحة المغفور له الشيخ محمدرضا المظفر قال:
[ صفحه 114]
«أما علمه - أي علم الامام - فهو يتلقي المعارف و الاحكام الالهية، و جميع المعلومات من طريق النبي أو الامام من قبله، و اذا استجد شي ء لابد أن يعلمه من طريق الالهام بالقوة القدسية التي أودعها الله تعالي فيه فان توجه الي شي ء وشاء أن يعلمه من طريق علي وجهه الحقيقي لا يخطأ فيه كل ذلك مستند الي البراهين العقلية، و لا يستند الي تلقينات المعلمين، و ان كان علمه قابلا للزيادة و الاشتداد، و لذا قال (ص): «رب زدني علما»
و أضاف يقول بعد الاستدلال علي ذلك:
و يبدو واضحا هذا الأمر في تأريخ الأئمة عليهم السلام كالنبي محمد (ص) فانهم لم يتربوا علي أحد، و لم يتعلموا علي يد معلم، من مبدأ طفولتهم الي سن الرشد حتي القراءة و الكتابة، و لم يثبت عن أحدهم أنه دخل الكتاتيب أو تتلمذ علي تبدل استاذ في شي ء من الأشياء مع مالهم من منزلة علمية لا تجاري. و ما سئلوا عن شي ء الا أجابوا عليه في وقته، و لم تمر علي ألسنتهم كلمة «لا أدري» و لا تأجيل الجواب الي المراجعة أو التأمل أو نحو ذلك في حين أنك لا تجد شخصا مترجما له من فقهاء الاسلام و رواته و علمائه الا ذكرت في ترجمته و تربيته و تلمذته علي غيره و أخذ الرواية أو العلم علي المعروفين و توقفه في بعض المسائل أو شكه في كثير من المعلومات كعادة البشر في كل عصر و مصر» [4] .
و عرض سماحة الامام كاشف الغطاء الي صفات الامام (ع) و قال فيما يختص في مواهبه العلمية:
«و أن يكون - أي الامام - أفضل أهل زمانه في كل فضيلة و أعلمهم بكل علم لأن الغرض منه تكميل البشر و تزكية النفوس، و تهذيبها بالعلم و العمل الصالح «هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته
[ صفحه 115]
و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة» و الناقص لا يكون مكملا، و الفاقد لا يكون معطيا، فالامام في الكمالات دون النبي و فوق البشر» [5] .
هذا هو الرأي الصريح للشيعة في علم الامام، و ليس فيه أي غلو كما يتهمهم بذلك خصومهم.
پاورقي
[1] سورة الأحزاب: آية 33.
[2] بسطنا البحث في دلالة الآية في الجزء الأول من حياة الامام الحسن ص 69 - 74.
[3] الاسلام ص 283 - 285.
[4] عقائد الامامية ص 51 - 54.
[5] أصل الشيعة و أصولها ص 103 ط العرفان.