بازگشت

كلمة الامام الرضا


و من أعمق الأدلة علي الامامة، و اكثرها استيعابا و شمولا، و بيانا لمنصبها، و استحالة الانتخاب فيها حديث الامام الرضا عليه السلام مع عبدالعزيز بن مسلم فقد أوضح الامام الكثير من جوانب الامامة، و فيما يلي بعض نصوص الحديث.

قال عبدالعزيز بن مسلم: كنا في أيام علي بن موسي الرضا (بمرو) فاجتمعنا في مسجد جامعها فدار بين الناس أمر الامامة، و ذكروا كثرة الاختلاف فيها. و بعد انتهاء الحديث، قمت فدخلت علي الامام الرضا عليه السلام فأخبرته بما خاض فيه الناس فتبسم (ع) ثم قال:

«يا عبدالعزيز. جهل القوم، و خدعوا عن أديانهم. ان الله تبارك و تعالي لم يقبض نبيه (ص) حتي أكمل له الدين، و أنزل عليه القرآن فيه تفصيل كل شي ء، بين فيه الحلال و الحرام. و الحدود و الاحكام و جميع ما يحتاج اليه كملا، فقال عزوجل: «ما فرطنا في الكتاب من شي ء» [1] و أنزل في حجة الوداع و هي آخر عمره «اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا» [2] .

و أمر الامامة من تمام الدين، و لم يمض (ص) حتي بين لأمته معالم دينهم، و أوضح لهم سبيلهم، و تركهم علي قصد الحق، و أقام لهم عليا



[ صفحه 118]



علما و اماما، و ما ترك شيئا تحتاج اليه الأمة الا بينه، فمن زعم أن الله عزوجل لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله عزوجل، و من رد كتاب الله تعالي فهو كافر.

هل يعرفون قدر الامامة و محلها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم؟

ان الامامة أجل قدرا، و أعظم شأنا، و أعلي مكانا، وأمنع جانبا، و أبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم، أو ينالوها بآرائهم أو يقيموا اماما باختيارهم.

ان الامامة خص الله بها ابراهيم الخليل (ع) بعد النبوة، والخلة مرتبة ثالثة، و فضيلة شرفه بها، و أشاد بها ذكره: فقال عزوجل: «اني جاعلك للناس اماما» فقال الخليل سرورا بها: «و من ذريتي» قال الله عزوجل: «لا ينال عهدي الظالمين» فابطلت هذه الآية امامة كل ظالم الي يوم القيامة، و صارت في الصفوة، ثم اكرمه الله عزوجل بأن جعل ذريته أهل الصفوة و الطهارة فقال عزوجل: «و وهبنا له اسحاق و يعقوب نافلة و كلا جعلنا صالحين و جعلناهم أئمة يهدون بأمرنا و أوحينا اليهم فعل الخيرات و أقام الصلاة و ايتاء الزكاة و كانوا لنا عابدين» [3] فلم تزل في ذريته يرثها بعض عن بعض قرنا فقرنا حتي ورثها النبي (ص) قال عزوجل: «ان أولي الناس بابراهيم للذين اتبعوه و هذا النبي و الذين آمنوا و الله ولي المؤمنين» [4] فكانت له خاصة فقلدها عليا بأمر الله عزوجل علي رسم ما فرضه الله عزوجل فصارت له في ذريته الأصفياء الذين آتاهم الله العلم و الايمان بقوله عزوجل «و قال الذين أوتوا العلم و الايمان لقد لبثتم



[ صفحه 119]



في كتاب الله الي يوم البعث» [5] .

فهي: في ولد علي خاصة الي يوم القيامة اذ لا نبي بعد محمد (ص) فمن أين يختار هؤلاء الجهال؟ ان الامامة هي منزلة الأنبياء، و ارث الأوصياء ان الامامة خلافة الله عزوجل، و خلافة الرسول و مقام أميرالمؤمنين، و ميراث الحسن و الحسين عليهماالسلام.

ان الامامة زمام الدين، و نظام المسلمين و صلاح الدنيا، و عزالمؤمنين ان الامامة أسس الاسلام النامي، و فرعه السامي بالامام تمام الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج و الجهاد و توفير الفي ء و الصدقات، و امضاء الحدود و الأحكام و منع الثغور، و الأطراف.

الامام يحل حلال الله، و يحرم حرام الله، و يقيم حدود الله، و يذب عن دين الله، و يدعو الي سبيل ربه بالحكمة و الموعظة الحسنة و الحجة البالغة».

و يسترسل الامام (ع) في حديثه في بيان أوصاف الامام، و ما وهبه الله من الكمال و العبقريات، و أدلي بعد ذلك بأن الناس عاجزون عن معرقة حقيقته، و ادراك فضائله فقال:

«فمن ذا الذي يبلغ معرفة الامام و يمكنه اختباره؟ هيهات هيهات!! ضلت العقول، و تاهت الحلوم، و حارت الألباب، و حسرت العيون، و تصاغرت العظماء، و تحيرت الحكماء، و تقاصرت الحلماء و حصرت الخطباء و جهلت الألباء، و كلت الشعراء، و عجزت الأدباء، و عييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه أو فضيلة من فضائله، فأقرت بالعجز و التقصير، و كيف يوصف له؟ أو ينعت بكنهه، أو يفهم شي ء من أمره، أو يوجد من يقوم مقامه، و يغني غناه، لا. واني...

أين الاختيار من هذا؟



[ صفحه 120]



أين العقول عن هذا؟

أين يوجد مثل هذا؟

ظنوا أن يوجد ذلك في غير آل الرسول (ص)، كذبتهم والله أنفسهم و منتهم الباطل، فارتقوا مرتقي صعبا دحضا، تزل الي الحضيض أقدامهم.

راموا اقامة الامام بعقول جائرة. بائرة ناقصة، و آراء مضلة، فلم يزدادوا الا بعدا «قاتلهم الله أني يؤفكون» لقد راموا صعبا، و قالوا افكا «و ضلوا ضلالا بعيدا» و وقعوا في الحيرة، اذ تركوا الامام عن بصيرة «و زين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل و ما كانوا مستبصرين» و رغبوا عن اختيار الله، و اختيار رسوله الي اختيارهم، و القرآن يناديهم «و ربك يخلق ما يشاء و يختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله و تعالي عما يشركون» [6] و قال الله عزوجل «و ما كان لمؤمن و لا مؤمنة اذا قضي الله و رسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم» [7] و قال عزوجل: «مالكم كيف تحكمون أم لكم كتاب فيه تدرسون ان لكم فيه لما تخيرون أم لكم أيمان علينا بالغة الي يوم القيامة ان لكم لما تحكمون سلهم أيهم بذلك زعيم أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم ان كانوا صادقين» [8] و قال عزوجل:«أفلا يتدبرون القرآن أم علي قلوب أقفالها» [9] أم طبع الله علي قلوبهم فهم لا يفقهون أم «قالوا سمعنا و هم لا يسمعون، ان شرالدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون، و لو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم و لو أسمعهم



[ صفحه 121]



لتولوا و هم معرضون» [10] و «قالوا سمعنا و عصينا» [11] بل هو «فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذوالفضل العظيم» [12] .

فكيف لهم باختيار الامام؟!! والامام عالم لا يجهل، راع لا ينكل معدن القدس و الطهارة، والنسك و الزهادة، و العلم و العبادة، مخصوص بدعوة الرسول، و هو من نسل المطهرة البتول، لا مغمز فيه في نسب، و لا يدانيه ذوحسب، فالنسب من قريش، و الذروة من هاشم، العترة من آل الرسول (ص) و الرضا من الله، شرف الأشراف، و الفرع من عبد مناف، نامي العلم، كامل الحلم، مضطلع بالامامة عالم بالسياسة، مفروض الطاعة، قائم بأمر الله عزوجل، ناصح لعباد الله، حافظ لدين الله.

و تعرض (ع) بعد هذا الي علم الأنبياء و الأئمة فقال:

«ان الأنبياء و الأئمة صلوات الله عليهم يوفقهم الله، و يؤتيهم من مخزون علمه، و حكمه ما لا يؤتيه غيرهم، فيكون علمهم فوق كل علم أهل زمانهم، ثم انظروا في قوله تعالي: «أفمن يهدي الي الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي الا أن يهدي فما لكم كيف تحكمون» [13] و قوله عزوجل: «و من يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا [14] و قوله عزوجل في طالوت «ان الله اصطفاه عليكم و زاده بسطة في العلم و الجسم والله يؤتي ملكه من يشاء



[ صفحه 122]



و الله واسع عليم» [15] و قال عزوجل لنبيه: «و كان فضل الله عليك عظيما» و قال عزوجل في الأئمة من أهل بيت نبيه (ص) و عترته و ذريته «أم يحسدون الناس علي ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل ابراهيم الكتاب و الحكمة و آتيناهم ملكا عظيما فمنهم من آمن به و منهم من صد عنه و كفي بجهنم سعيرا» [16] و ان العبد اذا اختاره الله عزوجل لأمور عباده شرح صدره لذلك، و أودع قلبه ينابيع الحكمة، و ألهمه العلم الهاما فلم يع بعده بجواب، و لا يحيد فيه عنه الصواب، و هو معصوم، مؤيد، موفق مسدد، قد أمن الخطايا و الزلل، و العثار، يخصه الله بذلك ليكون حجته علي عباده و شاهده علي خلقه، «ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذوالفضل العظيم».

فهل يقدرون علي مثل هذا فيختاروه؟! أو يكون مختارهم بهذه الصفة فيقدموه، تعدوا و بيت الله الحق، و نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، وفي كتاب الله الهدي و الشفاء فنبذوه، واتبعوا أهواءهم فذمهم الله و مقتهم و أتعسهم، فقال عزوجل: «و من أضل ممن اتبع هواه بغير هدي من الله ان الله لا يهدي القوم الظالمين» [17] و قال عزوجل: «فتعسا لهم و أضل أعمالهم» [18] و قال عزوجل: «كبر مقتا عند الله و عند الذين آمنوا كذلك يطبع الله علي كل قلب متكبر جبار» [19] .



[ صفحه 123]



وانتهي بذلك حديث الامام (ع) [20] و هو حافل بأروع صور الاستدلال و الحجة علي ضرورة الامامة، و استحالة الاختيار و الانتخاب فيها، و وجوب رجوع التعيين في ذلك الي الله تعالي وحده فهو الذي يختار لهذا المنصب الرفيع من يشاء من عباده ممن تتوفر فيه صفات الخير و الكمال، و طهارة النفس، و صفاء الذات، و عدم الانقياد و الخضوع لدواع الهوي، و نوازع الشرور و الغرور حتي يصلح لهداية الناس، و اصلاحهم، و غرس روح الثقة والفضيلة في نفوسهم.


پاورقي

[1] سورة الأنعام: آية 38.

[2] سورة المائدة: آية 3.

[3] سورة الأنبياء: آية 72 - 73.

[4] سورة آل عمران: آية 68.

[5] سورة الروم: آية 56.

[6] سورة القصص - آية 68.

[7] سورة الأحزاب: آية 36.

[8] سورة القلم: آية 36 - 41.

[9] سورة محمد: آية 24.

[10] سورة الأنفال: آية 21 - 23.

[11] سورة البقرة: آية 93.

[12] سورة الحديد: آية 21.

[13] سورة يونس: آية 35.

[14] سورة البقرة: آية 269.

[15] سورة البقرة: آية 247.

[16] سورة النساء: آية 54 - 55.

[17] سورة القصص: آية 50.

[18] سورة محمد: آية 8.

[19] سورة المؤمن: آية 35.

[20] عيون أخبار الرضا 1 / 216 - 222 أصول الكافي.