بازگشت

حجه


و ما من شي ء يحبه الله و ندب اليه الا فعله الامام عن رغبة و اخلاص فمن ذلك أنه حج بيت الله ماشيا علي قدميه، والنجائب تقاد بين يديه، و قد حج معه أخوه علي بن جعفر و جميع عياله أربع مرات، و حدث علي ابن جعفر عن الوقت الذي قطعوا به طريقهم فقال: كانت السفرة (الاولي) ستا و عشرين يوما، و (الثانية) كانت خمسا و عشرين يوما، و (الثالثة)



[ صفحه 144]



كانت أربعا و عشرين يوما، و (و الرابعة) كانت احدي و عشرين يوما [1] .

و كان في أغلب أسفاره الي بيت الله يتنكب الطريق، و ينفرد عن الناس، قد تعلق قلبه و فكره بالله تعالي، و قد حج عليه السلام مرة فلم يصبح معه أحدا، وجرت له قصة مع شقيق البلخي [2] أجمع علي ذكرها أغلب



[ صفحه 145]



من ترجم للامام، و هذا نصها:

خرج شقيق حاجا بيت الله الحرام سنة 149 ه أو سنة 146، فنزل القادسية، و لما استقر به المكان أخذ يشرف علي الحجاج، و ينظر الي استعدادهم و بينما هو مشغول بالنظر الي الحجيج اذ وقع بصره - كما يقول - علي شاب حسن الوجه، شديد السمرة، نحيف الجسم، فوق ثيابه ثوب من صوف، قد جلس وحده، منفردا عن الناس، بعيدا عن شؤونهم، لم يختلط معهم، فدار في خلده، أن هذا الفتي من الصوفية يريد أن يكون عبئا ثقيلا علي الحاج حيث لا متاع عنده، و لم يصحب معه ما يحتاج اليه المسافر من المتاع اللازم، فصمم شقيق علي أن يمضي اليه، و بوبخه ليرتدع عما هو فيه، و يثيب الي الصواب فلما دنا منه انبري اليه الفتي قبل أن يفتح معه الحديث قائلا له بنبرات تقطر لطفا:

«يا شقيق: اجتنبوا كثيرا من الظن، ان بعض الظن اثم!!».

و لم يتكلم بأكثر من هذا. ثم انه تركه وانصرف عنه، فبهر شقيق و بقي حائر الفكر مذهول اللب، من أمر الفتي الذي نطق باسمه، و عرف دخائل نفسه، و قد داخله الشي ء الكئير من الاكبار له، واطمأن بأنه من عباد الله الصالحين، و قد ندم علي ما فرط في أمره، فصمم علي الالتحاق به ليعفو عنه، و يحله من خطيئته، فجد في طلبه فلم يدركه، فلما نزلت القوافل بوادي (فضة) نظر شقيق و اذا بصاحبه واقف يصلي و أعضاؤه تضطرب خوفا من الله، و دموعه تتبلور علي خديه، فصبر حتي فرغ من صلاته، فالتفت اليه الفتي قبل أن يسأله قائلا له:

«يا شقيق: اتل، و اني لغفار لمن تاب و آمن و عمل صالحا ثم اهتدي»



[ صفحه 146]



ثم انه تركه وانصرف عنه، وهام شقيق في تيار من الهواجس و الأفكار، و أخذ يقول: يا لله! يا للعجب!! انه تكلم بما انطوت عليه نفسي مرتين.

انه من الابدال.

انه من المنيبين المهتدين، و أخذ يطيل التفكير في شأنه، و سارت القافلة تطوي البيداء، فلما انتهت الي (الأبواء) خرج شقيق يتجول فيها فوقع نظره علي الفتي فبادر اليه، و اذا به واقف علي بئر يستقي منها، و بيده ركوة قد سقطت في البئر فرمق السماء بطرفه، و جعل يخاطب الله بمنتهي الخضوع و الايمان قائلا:



أنت شربي اذا ظمئت من الماء

و قوتي اذا أردت الطعاما



«الهي: و سيدي، ما لي سواك فلا تعدمنيها..».

و لم يزد علي ذلك حتي ارتفع الماء فورا، الي رأس البئر و الركوة طافية عليه، فمد يده فتناولها ثم توضأ منها، و صلي أربع ركعات، ثم مال الي كثيب من الرمل فتناول منه قبضة و جعلها في الركوة فحركها و شرب منه، فسلم عليه شقيق و قال له:

- اطعمني، مما رزقك الله.

- يا شقيق: لم تزل نعم الله علي ظاهرة و باطنة، فاحسن ظنك بربك ثم ناوله الركوة فشرب منها، فاذا فيها سويق و سكر، فما شرب شقيق - كما يقول - شرابا قط ألذ و لا أطيب منه، و بقي أياما و هو لا يشتهي الطعام و الشراب، ثم انه مضي عنه، فلم يجتمع به الا بمكة، فرآه الي جانب (قبة الشراب) في غلس الليل البهيم و هو قائم يصلي بخشوع و أنين و بكاء، فلم يزل كذلك حتي انبثق نور الفجر، ثم انه قام الي (حاشية المطاف) فركع ركعتي الفجر، و صلي صلاة الصبح مع الناس، ثم انعطف



[ صفحه 147]



نحو البيت، فطاف فيه بعد شروق الشمس، و بعد الفراغ من الطواف صلي صلاة الطواف، ثم خرج من البيت فتبعه شقيق يريد السلام عليه و التشرف بمقابلته، و اذا بالخدم و الموالي قد طافوا حوله و أحاطوا به يمينا و شمالا، وانكبت عليه جماهير الناس تلثم يديه و أطرافه فتعجب شقيق من ذلك و بادر الي من حوله يسأله عن اسم صاحبه فقيل له: «هذا موسي الكاظم».

فعند ذلك آمن شقيق و تيقن بأن تلك الكرامة جديرة بالامام [3] و نظم بعض الشعراء هذه البادرة بقوله:



سل شقيق البلخي عنه بماعاين منه

و ما الذي كان أبصر



قال: لما حججت عاينت شخصا

شاحب اللون ناحل الجسم أسمر



سائرا وحده و ليس له زاد

فما زلت دائما أتفكر



و توهمت أنه يسأل الناس

و لم أدر انه الحج الأكبر



ثم عاينته و نحن نزول

دون قيد علي الكثيب الأحمر



يضع الرمل في الاناء و يشربه

فناديته و عقلي محير



اسقني شربة فلما سقاني

منه عاينته سويقا و سكر



فسألت الحجيج من يك هذا

قيل هذا الامام موسي بن جعفر [4] .



لقد دلت قصة شقيق علي بعض كرامات الامام و ما اتصف به من الايمان و العلم بما انطوت عليه النفوس.



[ صفحه 148]




پاورقي

[1] البحار: (ج 11 ص 261).

[2] شقيق البلخي من كبار العباد و الزهاد في العالم الاسلامي كان في بداية أمره من المرابين فتاب الي الله توبة نصوحة فتصدق بأمواله البالغة تلثمائة الف درهم. و كانت له ثلثمائة قرية فتصدق بها حتي أنه لما استشهد في غزوة (كولان) لم يكن يملك كفنا يلف به، و قد لبس ثياب الصوف الخشنة عشرين سنة، و قال: عملت في القرآن عشرين سنة حتي ميزت الدنيا من الآخرة في حرفين، و هو قوله تعالي: «و ما أوتيتم من شي فمتاع الحياة الدنيا و زينتها، و ما عند الله خير و أبقي» و كان يقول: ثلاث خصال هي تاج للزهد: (الأولي) أن يميل علي الهوي و لا يميل مع الهوي، و (الثانية) ينقطع الزهد الي الزهد بقلبه، و (الثالثة) أن يذكر كلما خلي بنفسه كيف مدخله في قبره و كيف مخرجه، و يذكر الجوع و العطش و العري و طول القيامة، و الحساب، و الصراط، و طول الحساب، و الفضيحة البادية، فاذا ذكر ذلك شغله عن ذكر دارالغرور، فاذا كان ذلك كان من محبي الزهاد، و من أحبهم كان معهم، و قال: من أراد أن يعرف معرفة بالله فلينظر الي ما وعده الله، و وعده الناس بأيهما قلبه أوثق، و قال لبعض أصحابه اتق الأغنياء فانك متي ما عقدت قلبك معهم، و طمعت فيهم ففد اتخذتهم ربا من دون الله عزوجل، جاء ذلك في حلية الأولياء: «ج 8 ص 59 - 71 «، و قد ذكر له صاحب الحلية الشي ء الكثير من الكلمات الحكمية و الوصايا الرفيعة، و جاء في لسان الميزان (ج 3 ص 151 - 152) ان مناقب شقيق كثيرة جدا لا يسعها هذا المختصر، و انه استشهد في غزوة (كولان) سنة 194 ه.

[3] اخبار الدول: ص 112، جوهرة الكلام: (ص 140 - 141) مختار صفوة الصفوة: ص 153، جامع كرامات الأولياء: (ج 2 ص 229) نور الأبصار: ص 135، مثير الغرام، معالم العترة، المناقب، البحار، كشف الغمة، و غيرها.

[4] مطالب السؤول: ص 84، البحار: (ج 11 ص 55) المناقب.