بازگشت

ارشاده و توجيهه


ان ارشاد الناس الي الحق و هدايتهم الي الصواب من أهم الأمور الاصلاحية التي كان الامام يعني بها، فقد قام بدور مهم في انقاذ جماعة ممن أغرتهم الدنيا و جرفتهم بتياراتها. و ببركة ارشاده و وعظه لهم تركوا ما هم فيه من الغي و الضلال و صاروا من عيون المؤمنين. و قد ذكر المؤرخون بوادر كثيرة له في هذا المجال فقد رووا قصته مع بشر الحافي، فقد كان في بداية أمره فيما يقول الرواة يتعاطي الشراب و يقضي لياليه و أيامه في المجون و الدعارة فاجتاز الامام عليه السلام علي داره ببغداد فسمع الملاهي و أصوات الغناء و القصب تعلو من داره، و خرجت منها جارية و بيدها قمامة فرمت بها في الطريق، فالتفت الامام اليها قائلا:

«يا جارية: صاحب هذه الدار حر أم عبد؟.

«حر».

«صدقت، لو كان عبدا لخاف من مولاه».

و دخلت الجارية الدار، و كان بشر علي مائدة السكر، فقال لها:

ما أبطأك؟ فنقلت له ما دار بينها و بين الامام فخرج بشر مسرعا حتي



[ صفحه 159]



لحق الامام فتاب علي يده، واعتذر منه و بكي [1] و بعد ذلك أخذ في تهذيب نفسه واتصل بالله عن معرفة و ايمان حتي فاق أهل عصره في الورع و الزهد، و قال فيه ابراهيم الحربي:

«ما أخرجت بغداد أتم عقلا، و لا أحفظ للسانه، من بشر بن الحارث كان في كل شعرة منه عقل» [2] .

و قد أعرض عن زينة الحياة الدنيا، و رضي بالقناعة، و قال فيها: لو لم يكن في القناعة شي ء الا التمتع بعز الغناء لكان ذلك يجزي، ثم أنشأ يقول:



أفادتني القناعة أي عز

و لا عز أعز من القناعه



فخذ منها لنفسك رأس مال

وصير بعدها التقوي بضاعه



تحز حالين تغني عن بخيل

و تسعد في الجنان بصبر ساعه



و كان يتذمر من أهل عصره، و يكره الاختلاط بهم و ذلك لفقدان المؤمنين و الاخيار، و كثرة الأشرار و المنحرفين، لذلك ابتعد عن الاجتماع بكثير من الناس حتي أن المأمون تشفع بأحمد بن حنبل في أن يأذن له في زيارته فأبي و لم يجبه [3] ، و من شعره في تذمره من أهل زمانه قوله:



ذهب الرجال المرتجي لفعالهم

و المنكرون لكل أمر منكر



و بقيت في خلف يزين بعضهم

بعضا ليدفع معور عن معور [4] .





[ صفحه 160]



و تجرد عن الدنيا، وانقطع الي الله حتي صار من أقطاب العارفين كل ذلك ببركة وعظ الامام و ارشاده له [5] .

و ممن أرشدهم الامام الي طريق الحق: الحسن بن عبدالله فقد كان شخصية مرموقة عند الملكوك زاهدا في الدنيا يأمر بالمعروف و ينهي عن المنكر لا تأخذه في الله لومة لائم، فاجتمع بالامام فقال (ع) له:

- يا أباعلي، ما أحب الي ما أنت عليه، و أسرني به، الا أنه ليست لك معرفة فاطلب المعرفة.

- و ما المعرفة؟.

- تفقه و اطلب الحديث.

فذهب الرجل فكتب الحديث عن مالك و عن فقهاء أهل المدينة، و عرضه علي الامام فلم يرض (ع)، و أرشده الي فقه أهل البيت و أخذ الأحكام منهم، و الاعتراف لهم بالامامة فانصاع الرجل لذلك واهتدي [6] .

لقد كان عليه السلام يدعو الناس الي فعل الخير و يدلهم علي العمل الصالح و يحذرهم لقاء الله و اليوم الآخر، فقد سمع رجلا يتمني الموت فانبري (ع) له قائلا:

- هل بينك و بين الله قرابة يحابيك لها؟.

- لا

- فأنت اذن تتمني هلاك الأبد [7] .



[ صفحه 161]



لقد عني الامام بارشاد المسلمين الي فعل التقوي و عمل الخير، و سنذكر بعض نصائحه الرفيعة، و ارشاداته القيمة الحافلة بالنصح و التوجيه عند عرض تراثه العلمي و الأدبي.


پاورقي

[1] الكني و الألقاب: (ج 2 ص 150) نقلا عن منهاج الكرامة للعلامة، و ذكر المناوي هذه البادرة في الكواكب الدرية: ص 208 الا أنه لم يصرح باسم الامام موسي.

[2] تأريخ بغداد: (ج 7 ص 73).

[3] الكواكب الدرية: (ج 1 ص 208).

[4] تأريخ بغداد: (ج 7 ص 77).

[5] توفي بشر سنة 227 ه و دفن في بغداد، و له جامع يقع بجانب مسجد الامام الاعظم، و اما القبر المشهور بقبر شيخ بشار فانه ليس بقبر بشر الحافي كما توهم بعضهم بل هو لبشار المعروف بالزهد.

[6] المناقب: (ج 3 ص 407) ط النجف.

[7] الاتحاف بحب الأشراف: (ص 55).