بازگشت

احسانه الي الناس


و كان الامام بارا بالمسلمين محسنا لهم فما قصده احد في حاجة الا قام بقضائها، فلا ينصرف منه الا و هو ناعم الفكر مثلوج القلب، و كان (ع) يري أن ادخال الغبطة علي الناس و قضاء حوائجهم من أهم أفعال الخير فلذا لم يتوان قط في اجابة المضطر، و رفع الظلم عن المظلوم، و قد أباح لعلي بن يقطين الدخول في حكومة هارون و جعل (كفارة عمل السلطان الاحسان الي الاخوان) مبررا له، و قد فزع اليه جماعة من المنكوبين فكشف آلامهم و ملأ قلوبهم رجاءا و رحمة.

و من هؤلاء الذين أغاثهم الامام (ع) شخص من أهالي الري كانت عليه أموال طائلة لحكومة الري فلم يتمكن من أدائها، و خاف علي نعمته أن تسلب منه، فأخذ يطيل الفكر فيما يعمل، فسأل عن حاكم الري، فأخبر أنه من الشيعة، فطوت نيته علي السفر الي الامام ليستجير به فسافر الي يثرب فلما انتهي اليها تشرف بمقابلة الامام فشكا اليه حاله و ضيق مجاله، فزوده عليه السلام برسالة الي والي الري جاء فيها بعد البسملة:

«اعلم أن لله تحت عرشه ظلا لا يسكنه الا من أسدي الي أخيه معروفا، أو نفس عنه كربة، أو أدخل علي قلبه سرورا، و هذا أخوك والسلام..».



[ صفحه 162]



و أخذ الرسالة، و بعد أدائه لفريضة الحج، اتجه الي وطنه، فلما وصل، مضي الي الحاكم ليلا، فطرق عليه باب بيته فخرج غلامه، فقال له:

- من أنت؟.

- رسول الصابر موسي؟.

فهرع الي مولاه فأخبره بذلك فخرج حافي القدمين مستقبلا له، فعانقه و قبل ما بين عينيه، و جعل يكرر ذلك، و يسأله بلهفة عن حال الامام، ثم انه ناوله رسالة الامام فقبلها و قام لها تكريما، فلما قرأها استدعي بأمواله و ثيابه فقاسمه في جميعها و أعطاه قيمة ما لا يقبل القسمة و هو يقول له:

- يا أخي هل سررتك؟.

- أي والله و زدت علي ذلك!!.

ثم استدعي السجل فشطب علي جميع الديون التي عليه و أعطاه براءة منها، و خرج الرجل و قد طار قلبه فرحا و سرورا، و رأي أن يجازيه علي احسانه و معروفه فيمضي الي بيت الله الحرام فيدعو له، و يخبر الامام بما أسداه اليه من البر و المعروف، و لما أقبل موسم الحج مضي اليه ثم اتجه الي يثرب فواجه الامام و أخبره بحديثه، فسر (ع) بذلك سرورا بالغا، فقال له الرجل:

- يا مولاي: هل سرك ذلك؟.

- أي، والله!! لقد سرني، و سر أميرالمؤمنين. والله لقد سر جدي رسول الله (ص)، و لقد سر الله تعالي...».

و قد دل ذلك علي اهتمامه البالغ بشؤون المسلمين و رغبته الملحة في قضاء حوائج الناس و بذلك ينتهي بنا الحديث عن ذكر بعض مثل الامام و صفاته.



[ صفحه 165]