بازگشت

رسالته في العقل


العقل هو القوة المبدعة التي منحها الله للانسان و شرفه و ميزه به علي بقية الموجودات، و جعله خليفة في الأرض، وقد استطاع بعقله و تفكيره أن يستخدم الكائنات، و يكشف أسرارها، و يميط الحجاب عن دقائقها، و ان يغزو الفضاء، و يصل الي الكواكب، و يكتشف ما فيها كل ذلك وصل اليه الانسان و سيصل في مستقبله القريب أو البعيد الي ما هو أعمق و أشمل من ذلك.

لقد انتهي الانسان في انطلاقه الرائع الي هذه الاكتشافات المذهلة بفضل عقله، و ادراكه، و علمه، و قد تحدث الامام موسي عن أهم آثار العقل و استدل علي فضله عقله، و ادراكه، و علمه، و قد تحدث الامام موسي عن أهم آثار العقل و استدل علي فضله بالآيات الكريمة، و ذلك في حديثه الذهبي الذي زود به تلميذه هشام بن الحكم، و يعتبر هذا الحديث من أهم الثروات الفكرية التي اثرت عن الامام، و قد شرحه شرحا فلسفيا صدر المتألهين الآخوند ملاصدرا [1] و قال في تقريضه ما نصه:



[ صفحه 182]



«هذا الحديث مشتمل علي بيان حقيقة العقل بالمعني المذكور - أعني المرتبة الرابعة من العقول الاربعة المذكورة في علم النفس - و محتو علي معظم صفاته و خواصه و مدائحه، و متضمن لمعارف جليلة قرآنية، و مقاصد شريفة الهية لم يوجد نظيرها في كثير من مجلدات كتب العرفاء، و لم يعهد شبيهها في نتائج أنظار العلماء النظار ذوي دقائق الأفكار الا منقولا عن واحد من الأئمة الأطهار أو مسندا من طريقهم أو طريق العامة الي الرسول المختار (ص)، و الحديث مشتمل علي خطابات ذكر في كل منها بابا عظيما من العلم، بعضها في العلوم الالهية و بعضها في علم السماء و العالم، و بعضها في علم الفلكيات، و بعضها في علم الأكوان و المواليد، و بعضها في علم النفس، و بعضها في تهذيب الأخلاق و تطهير النفوس من الرذائل، و بعضها في السياسات المدنية، و بعضها في المواعظ و النصائح، و بعضها في علم الزهد و ذم الدنيا، و بعضها في علم المعاد و الرجوع الي الله، و بعضها في مذمة الكفرة و الجهلة و سوء عاقبتهم و انقلاب نشأتهم الي نشأة البهائم و انهم صم بكم عمي لأنهم لا يعقلون. الي غير ذلك من العلوم و المعارف..».

و نقدم نص حديث الامام (ع) مشفوعا بشرح موجز اقتبسنا بعضه مما ذكره فيلسوف الاسلام الشيخ ملاصدرا في تفسيره لهذا الحديث قال عليه السلام:

«يا هشام: ان الله تبارك و تعالي بشر أهل العقل و الفهم في كتابه



[ صفحه 183]



فقال: (فبشر عبادي، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله و أولئك هم أولوا الألباب) [2] .

استدل الامام (ع) بهذه الآية الكريمة علي تقديم أهل العقول المستقيمة علي غيرهم لأن الله قد بشرهم بالهداية و النجاح، و قد تضمنت الآية التي استشهد بها الامام جملة من الفوائد العلمية نذكر فائدتين منها:

1- وجوب الاستدلال:

ان الانسان اذا وقف علي جملة من الأمور فيها الصحيح و الفاسد، و كان في الصحيح هدايته و في السقيم غوايته فانه يتحتم عليه أن يميز بينهما ليعرف الصحيح منها فيتبعه و الفاسد فيتبعه عنه، و من الطبيعي أن ذلك لا يحصل الا باقامة الدليل و الحجة، و بهذا يستدل علي وجوب النظر و الاستدلال في مثل ذلك.

2- حدوث الهداية:

و دلت الآية علي حدوث الهداية و عروضها، و من المعلوم أن كل عارض لابد له من موجد كما لابد له من قابل، أما الموجد للهداية فهو الله تعالي و لذلك نسبها اليه بقوله: (أولئك الذين هداهم الله) و أما القابلون لها فهم أهل العقول المستقيمة و الي ذلك أشار تعالي بقوله:

(أولئك هم أولوالألباب) و من المعلوم ان الانسان انما يقبل المعرفة و الهداية لا من جهة جسمه و أعضائه بل من جهة عقله، فلولم يكن كامل العقل امتنع عليه حصول المعرفة و الفهم كما هو ظاهر، و قد أقام الشيخ ملاصدرا رحمه الله الدليل علي حدوث الهداية و علي أن فاعلها هو الله تعالي، و أطال الكلام في ذلك.

قال (ع):



[ صفحه 184]



«يا هشام ان الله تبارك و تعالي اكمل للناس الحجج بالعقول، و نصر النبيين بالبيان، و دلهم علي ربوبيته بالأدلة فقال: «و الهكم اله واحد لا اله الا هو الرحمن الرحيم، ان في خلق السماوات و الارض واختلاف الليل و النهار و الفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس، و ما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها و بث فيها من كل دابة و تصريف الرياح و السحاب المسخر بين السماء و الارض لآيات لقوم يعقلون» [3] .

أفاد الامام في حديثه أن الله اكمل نفوس أنبيائه بالعقول الفاضلة، ليكونوا حججا علي عباده، و هداة لهم الي طريق الخير و النجاة، و لو لم يمنحهم بذلك لما صلحوا لقيادة الأمم و هدايتها فان الناقص لا يكون مكملا لغيره.

لقد نصر الله انبياءه ببيان الحق، و آيات الصدق، و دلهم علي ربوبيته و علمهم طريق معرفته، و توحيده بأدلة حاسمة تشهد علي وجوده، و تدل علي وحدانيته، و الآيات التي دلهم عليها من آثار خلقه، و من المعلوم - حسب ما ذكره المنطقيون - ان المعلول يدل علي العلة، و الأثر يدل علي المؤثر، و قد تضمنت الآية الكريمة التي تضمنها حديث الامام علي جملة من الآثار العظيمة التي يستدل بها علي وجود الله تعالي و هي:


پاورقي

[1] الشيخ ملاصدرا هو محمد بن ابراهيم الشيرازي الحكيم المتأله المعروف كان أعلم أهل زمانه في الحكمة، متقنا لجميع فنونها - كما قال صاحب السلافة - له الاسفار الاربعة، و شرح أصول الكافي و تفسير بعض السور القرآنية و «كسر الاصنام الجاهلية» و «شواهد الربوبية» و غيرها. توفي بالبصرة في حال توجهه الي الحج و ذلك في سنة 1050، جاء ذلك في الكني و الألقاب: (ج 2 ص 372).

[2] سورة الزمر: آية 17 - 18.

[3] سورة البقرة: آية 163 - 164.