بازگشت

الارض


و من عجائب آيات الله خلقه لهذا الكوكب الذي نعيش عليه، فقد جعله تعالي يدور حول محوره في كل 24 ساعة مرة واحدة، و سرعة حركته (1000) ميل في الساعة، و لو كان يدور حول محوره بسرعة 100 ميل في الساعة لكان طول الليل عشرة أمثال ما عليه الآن، و كذا طول النهار، و كانت الشمس محرقة في الصيف لجميع النبات، و في الليالي الباردة كان ينجمد ما عليها من نبات و حيوان كما انها لو اقتربت الشمس من الأرض أكثر مما عليه الآن لازدادت الاشعة التي تصل اليها بدرجة تؤدي الي امتناع الحياة فوقها كما انها لو ابتعدت عنها اكثر مما عليها لحدث العكس و قلت الاشعة و ازدادت قسوة البرد بدرجة تؤدي الي امتناع الحياة عليها و لو أن الأرض كانت صغيرة كالقمر أو حتي أن قطرها كان ربع قطرها الحالي لعجزت عن احتفاظها بالغلاف الجوي و المائي اللذين يحيطان بها، و لصارت درجة الحرارة فيها بالغة حد الموت، و لو كان



[ صفحه 187]



قطرها ضعف قطرها الحالي لأصبحت جاذبيتها للاجسام ضعف ما هي عليه وانخفض تبعا لذلك ارتفاع غلافها الهوائي، و زاد الضغط الجوي و هو يوجب تاثيرا بالغا علي الحياة فان مساحة المناطق الباردة تتسع اتساعا كبيرا، و تنقص مساحة الاراضي الصالحة للسكني نقصا ذريعا، و بذلك تعيش الجماعات الانسانية منفصلة أو في أماكن متنائية فتزداد العزلة بينها، و يتعذر السفر و الاتصال بل قد يصير ضربا من ضروب الخيال.

و لو كانت الارض في حجم الشمس لتضاعفت جاذبيتها للاجسام التي عليها الي 150 ضعفا و نقص بذلك ارتفاع الغلاف الجوي، و وصل وزن الحيوان الي زيادة 150 ضعف عن وزنه الحقيقي كما تتعذر الحياة الفكرية بصورة عامة [1] .

و خص الله الأرض بميزة أخري بأن جعل لها غلافا غازيا كثيفا سمكه يقدر ب 800 كيلومتر، و هو يتكون من جميع العناصر الضرورية للحياة، و هو السبب في حيلولة الشهب القاتلة الي الارض كما انه السبب في ايصال حرارة الشمس بصورة معتدلة الي الارض بحيث يمكن ان تعيش علي سطحها النباتات و الحيوانات كما ان له الأثر في نقل المياه و البخار من المحيطات الي القارات و لولاه لتحولت القارات الي أرض قاحلة، و ليس لبعض الكواكب هذا الغلاف مما سبب عدم ظهور الحياة عليها فالمريخ له غلاف غازي ولكنه رقيق جدا و غير صالح للحياة لخلوه من الا و كسجين و الزهرة لها غلاف غازي ولكنه مكون من ثاني او كسيد الكربون مما يجعله غير صالح لظهور الحياة و كذلك القمر له غلاف، ولكنه رقيق، و خال من العناصر الضرورية للحياة مثل الاوكسجين [2] .



[ صفحه 188]



و مما ميز الله به الأرض بأن جعلها غبراء اللون لتكون قابلة للانارة و الضياء، و جعلها متوسطة في الصلابة ليمكن المشي عليها، و لتقبل الزرع و الحرث، و ناهيك بما في مائها و أنهارها و جبالها و معادنها من الآيات و العجائب قال سماحة الامام المغفور له كاشف الغطاء:

«حقا ان من أعظم تلك الآيات التي نمر عليها في كل وقت و علي كل حال هذه الأرض التي نعيش عليها، و نعيش منها و نعيش بها، منها بدؤنا و اليها معادنا. (منها بدأناكم و اليها تعودون) لا نزال نمشي علي الأرض، و نثير ترابها في الحرث و النسل، و نتقلب عليها للضرع و المرع، و نزاولها في عامة شؤون الحياة، و لا تزال تدر علينا بخيراتها و بركاتها و نحن ساهون لاهون، و عن آياتها معرضون غافلون عما فيها من عظيم القدرة، و باهر الصنعة، و دلائل العظمة و القوة، هذا التراب الذي قد نعده من أحقر الأشياء و أهونها والذي هو في رأي العين شي واحد و عنصر فرد، كم يحتوي علي عناصر لا تحصي و خواص لا تتناهي، تنثر فيه حب القمح فيعطيك أضعافا من نوعه، و تنثر فيه الفول و العدس و أمثالها من القطانيات المختلفة في الطعوم و الخواص فتعيدها اليك مضاعفة مترادفة، و تغرس في نفس ذلك التراب نواة النخل و بذرة الكرم، و أقلام التين و التفاح و أمثالها من الفواكه فتثمر تلك الثمار الشهية المختلفة الأذواق المتغايرة الخواص، و قال رحمه الله: الأرض هي أم المواليد الثلاثة: الجماد، و النبات، و الحيوان، و تحوطها العناية بالروافد الثلاثة: الماء، و الهواء و الشمس، فهي الحياة و هي الممات، و فيها الداء، و منها الدواء و قد تحصي نجوم السماء، أما نجوم الأرض فلا تحصي.

نعم لا تحصي نجوم الارض و لا معادن الارض و لا عناصر الأرض، و لا تزال الشريعة الاسلامية قرآنها و حديثها يعظم شأن الأرض و ينوه عنها صراحة و تلميحا فيقول: (ألم نجعل الأرض كفانا أحياءا و أمواتا) (و الارض



[ صفحه 189]



بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها و مرعاها) فلينظر الانسان الي طعامه انا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا و عنبا و قضبا و زيتونا و نخلا و حدائق غلبا و فاكهة و أبا) [3] .

ان الأفكار الثاقبة و العقول الجبارة التي استخدمت جميع وسائل العلم الحديث لم تصل الي تحليل جميع عناصر الارض و استخراج جميع كنوزها، مع انها بعض مخلوقات الله بل من أبسطها فسبحانه ما أجل قدرته و أعظم صنعه..!


پاورقي

[1] الله يتجلي في عصر العلم ص 10 - 11.

[2] التكامل في الاسلام 6 / 128.

[3] الارض و التربة الحسينية: ص 10 - 13.