بازگشت

رسالته في التوحيد


و من تراثه القيم رسالته في التوحيد و هي - علي ابجازها - مدعمة بالحجج الكلامية علي وجود الله تعالي، و بيان صفاته الايجابية و السلبية، و قد كانت هذه الرسالة - فيما يرويه المؤرخون - جوابا عن رسالة وجهها اليه الفتح بن عبدالله يسأله عن ذلك فأجابه (ع) بعد البسملة بما نصه:

«الحمدلله الملهم عباده حمده، و فاطرهم علي معرفة ربوبيته، الدال



[ صفحه 224]



علي وجوده بخلقه، المستشهد بآياته علي قدرته [1] الممتنعة من الصفات ذاته [2] و من الأبصار رؤيته [3] و من الأوهام الاحاطة به [4] لا أمد لكونه [5] و لا غاية لبقائه [6] لا تشمله المشاعر، و لا تحجبه الحجب [7] و الحجاب بينه و بين خلقه خلقه اياهم، لا متناعه مما يمكن في ذواتهم [8] و لا مكان



[ صفحه 225]



مما يمتنع منه [9] و لافتراق الصانع من المصنوع و الحاد من المحدود و الرب من المربوب [10] الواحد بلا تأويل عدد [11] و الخالق لا بمعني حركة [12] و البصير لا بأداة و السميع لا بتفريق آلة [13] .



[ صفحه 226]



و الشاهد لا بمماسة [14] و الباطن لا باجتنان [15] و الظاهر البائن لابتراخي مسافة [16] أزله نهي لمجاول الأفكار [17] و دوامه ردع لطامحات العقول [18] قد حسر كنهه نوافذ الأبصار، و قمح وجوده جوائل الأوهام [19] أول الديانة به معرفته [20] و كمال معرفته توحيده، و كمال توحيده نفي الصفات



[ صفحه 227]



عنه بشهادة كل صفة أنها غير الموصوف. و شهادة الموصوف أنه غير الصفة و شهادتهما جميعا بالتثنية، الممتنع منه الأزل، فمن وصف الله فقد حده [21] .

و من حده فقد عده [22] و من عده فقد أبطل أزله [23] و من قال: كيف؟ فقد استوصفه [24] و من قال: فيم فقد ضمنه، و من قال علي م؟ فقد جهله [25] و من قال: اين فقد اخلا منه [26] و من قال ما هو فقد



[ صفحه 228]



نعته [27] و من قال: الي م؟ فقد غاياه، عالم اذ لا معلوم، و خالق اذ لا مخلوق، و رب اذ لا مربوب، و كذلك يوصف ربنا، و فوق ما يصفه الواصفون..» [28] ». [29] .

و بهذا تنتهي هذه الرسالة المنعمة بأصول التوحيد و قواعده، و قد أثر كثير منها عن الامام أميرالمؤمنين (ع) ولكن أئمة أهل البيت (ع) كثيرا ما تتشابه كلماتهم في علم التوحيد فهم واضعوا قواعده و اصوله و منشؤا ادلته و براهينه، فبهم عرف هذا العلم، و منهم استمدت أصوله و قواعده.


پاورقي

[1] أراد (ع) أن الله استشهد علي قدرته الباهرة بآياته العظيمة كخلق السماوات و الأرض و الشمس و القمر، و بعبر عنها بالآيات الافقية، و بخلق الأرواح و العقول و النفوس و ادراكاتها و تسمي بالآيات النفسية و هي تدل علي عظيم قدرته تعالي.

[2] اشار (ع) الي أن صفات الله عين ذاته تعالي و ليست عارضة عليه كعروضها علي الممكن، و قد أقيمت الأدلة الوافرة في علم الكلام علي ذلك.

[3] أراد (ع) أن الأبصار تمتنع من رؤيته تعالي، وفيه ايماء لطيف الي عدم امتناع ادراك البصائر و القلوب من رؤيته، ولكنها تراه بنور المعرفة و حقيقة الايمان كما قال (ع): «ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان).

[4] أراد (ع) ان الله يحيط بما سواه فكيف يحيط به شي ء من الأوهام التي لا تتعلق الا بالمعاني الجزئية المحدودة.

[5] اي انه تعالي فوق الآجال و الازمنة فلا أمد له، فان الزمان مخلوق له.

[6] المراد: ان بقاء الله تعالي قائم بذاته لا بصفة عارضة.

[7] المراد: انه تعالي لا يمكن أن تحجبه الحجب فانها مختصة بالجسمانيات الحادثة التي أفاض تعالي عليها الوجود.

[8] يعني انه تعالي يمتنع عليه ما يمكن في ذوات عباده من الاحداث و الأمور الناقصة:.

[9] أراد (ع) ان الصفات التي يمتنع جريانها علي ذاته تعالي هي الصفات الممكنة، و يراد بالامكان الامكان العام الشامل للامتناع، و عليه فتوصف بالامتناع في مقام حملها عليه تعالي، و في بعض النسخ «و لا مكان ذواتهم مما يمنع منه ذاته» و المراد منها ان ذوات العباد متصفة بالامكان الخاص، و يمتنع ان يتصف به تعالي لأنه واجب الوجود.

[10] المراد: ان ذات الصانع تفترق عن ذات المصنوع، و وجهه كمال الصانع، و نقص المصنوع، و كذلك يفترق الحاد عن المحدود فان الحاد هو الله تعالي، و هو غير متناه، و المحدود هو الانسان و هو متناه. أما أدلة ذلك فقد تعرضت له كتب الحكمة و الكلام.

[11] المراد: ان وحدة الله و وحدة صفاته ليست من باب الأعداد التي تحصل كثرتها من تكرر العدد، فوحدة علم الله لا ثاني لها خارجا و لا ذهنا و كذا وحدة قدرته و ارادته و سائر صفاته، فلا تدخل تلك الواحدة في باب الاعداد فان وحدة كل شي ء ليست الا نفس وجوده الخاص، و اذا كان وجود الله لا مثل له خارجا و لا ذهنا فكذلك وحدته تكون خاصة غير داخلة في باب الاعداد.

[12] يعني ان خلق الله و ايجاده للاشياء انما هو من باب الافاضة و الابداع لا من باب المباشرة و العمل، كما ان الحركة انما هي من عوارض الاجسام و هو منزه عنها.

[13] ان الله لو كان مفتقرا في صفاته الي آلة للزم امكانه، فان المفتقر للغير انما هو الممكن لا الواجب.

[14] المماسة: من خواص الاجسام و هو تعالي منزه عنها فلا تعرض عليه أوصافها.

[15] الاجتنان: الاستتار، و المراد ان العقول لا تصل الي ادراك كنهه لا من جهة استتاره بستر أو حجاب، و انما هي قاصرة عن ادراكه و تصوره.

[16] مراده ان الله تعالي في غاية الظهور لأن وجوده مجرد عن الحجب أو الغواشي الساترة، و انما كان تعالي بائنا لابتراخي مسافة لأنه تعالي منزه عن الأبعاد و المسافات و الحركات فانما يتصف بها الممكن لا الواجب.

[17] المراد أن أزلية الله ليست من الأزمنة و انما هي فوق الزمان فلا سبيل الي العقول - التي هي من الزمنيات - ان تدرك أزليته تعالي.

[18] اراد (ع) أن دوام الله و بقاءه محيطان بالأزمان و الآباد، و العقول لا تتوصل الي ادراك ذلك.

[19] المراد: ان الله تعالي قد قهر بوجوده أن تجول فيه الأوهام فتصل الي ادراك كنهه.

[20] يعني أن اول الدين و بدايته أن يعرف الانسان أن للعالم صانعا و مدبرا، و للمعرفة مراتب و هي:

1- التصديق بوجوده تعالي.

2- تفرده بالألوهية، و نفي الشريك عنه.

3- مرتبة الاخلاص و الايمان بقدرته و صفاته المتحدة مع ذاته.

[21] المراد: أن من وصف الله بصفة و لم يجعلها عين ذاته فقد جعله محدودا فان كل صفة تكون غير الذات لابد أن تقع تحت مقولة من المقولات التسع، و لها حد خاص، و الوجود لا يعرض عليها الا بعد ان تكون لها حدود معينة، و الحال ان الله هو الذي يفيض الوجود علي غيره فكيف يوصف بهذه الصفة العارضة.

[22] اراد (ع) أن من يحد الله فقد جعله من جملة المعدودات، و قد بينا استحالة ذلك بالنسبة اليه تعالي.

[23] المراد: ان كل معدود مفتقر في وجوده الي غيره، و كل من كان مفتقرا الي غيره فهو مسبوق بالعدم، و من جعل الله في سلسلة المعدودات فقد أبطل أزليته.

[24] يعني أن من قال بذلك فقد جعل الله وصفا زائدا علي ذاته، و قد بينا امتناع ذلك.

[25] ان القول بذلك مستلزم لاثبات الجسمانية لله، و هي مستحيلة بالنسبة اليه تعالي.

[26] يعني أن من قال بذلك فقد أخلي منه تعالي سائر الامكنة، و الحال أن كل ذرة من ذرات الكون لا تخلو منه تعالي ولكن لا علي وجه الحلول و قد استدل علي ذلك في علوم الحكمة.

[27] المراد: أن كلمة (ما هو؟) تقع في السؤال عن ماهية الشي ء - التي تسمي بما الحقيقية - و تقع في جوابها النعوت الكلية الذاتية المركبة من الجنس و الفصل القريبين، و الحال ان وجوده تعالي وجود بحت بلا ماهية، و كل ما لا ماهية له لا نعت له كما هو مقرر في فن الحكمة.

[28] المراد: ان عقول الواصفين لا يمكن أن تدرك كنه كماله تعالي لأنه فوق عقولهم فانها من الممكنات المتناهية، و هي لا يمكن أن تحيط بكنه غير المتناهي.

[29] اصول الكافي 1 / 139 - 140.