بازگشت

حقيقته عند الشيعة


والتزمت الشيعة بالبداء، و صرحت به أئمة أهل البيت (ع) فقد ورد عنهم أنه «ما عبدالله بشي ء مثل البداء» و قد أثبت العلماء الأعلام بالأدلة الوافرة امكانه و ضرورة الالتزام به ولكن لاعلي اطلاقه - كما سنوضحه - و ممن بحث عنه بصورة موضوعية و شاملة آية الله العظمي السيد أبوالقاسم الخوئي فقد قرره في بحثه كما كتبه في (بيانه)، و نسوق نص ما كتبه في (البيان) قال ما نصه:

«ان البداء الذي تقول به الشيعة الامامية انما يقع في القضاء غير المحتوم أما المحتوم منه فلا يتخلف، و لابد من أن تتعلق المشيئة بما تعلق به القضاء و توضيح ذلك: ان القضاء علي ثلاثة أقسام:

الأول: قضاء الله الذي لم يطلع عليه احدا من خلقه، والعلم المخزون الذي استأثر به نفسه. و لا ريب في أن البداء لا يقع في هذا القسم، بل ورد في روايات كثيرة عن أهل البيت (ع) ان البداء انما ينشأ



[ صفحه 230]



من هذا العلم.

روي الشيخ الصدوق في (العيون) باسناده عن الحسن بن محمد النوفلي أن الرضا (ع) قال لسليمان المروزي: رويت عن أبي عبدالله (ع) أنه قال: ان لله عزوجل علمين علما مخزونا مكنونا لا يعلمه الا هو من ذلك يكون البداء، و علما علمه ملائكته و رسله فالعلماء من أهل بيت نبيك يعلمونه.

و روي الشيخ محمد بن الحسن الصفار في (بصائر الدرجات) باسناده عن أبي بصير عن أبي عبدالله (ع) قال: ان لله علمين: علم مكنون مخزون لا يعلمه الا هو من ذلك يكون البداء، و علم علمه ملائكته و رسله و أنبياءه و نحن نعلمه [1] .

الثاني: قضاء الله الذي أخبر نبيه و ملائكته بأنه سيقع حتما، و لا ريب في أن هذا القسم أيضا لا يقع فيه البداء، و ان افترق عن القسم الأول بأن البداء لا ينشأ منه.

قال الرضا (ع) لسليمان المروزي في الرواية المتقدمة عن الصدوق: ان عليا كان يقول: العلم علمان، فعلم علمه الله ملائكته و رسله، فما علمه ملائكته و رسله فانه يكون، و لا يكذب نفسه و لا ملائكته و لا رسله، و علم عنده مخزون لم يطلع عليه أحدا من خلقه يقدم منه ما يشاء و يؤخر ما يشاء و يمحو يثبت ما يشاء [2] .

و روي العياشي عن الفضيل. قال: سمعت أباجعفر (ع) يقول:

من الامور أمور محتومة جائية لا محالة، و من الامور أمور موقوفة عند الله



[ صفحه 231]



يقدم منها ما يشاء، و يمحو ما يشاء، و يثبت منها ما يشاء، لم يطلع علي ذلك أحدا - يعني الموقوفة - فأما ما جاءت به الرسل فهي كائنة لا يكذب نفسه، و لا نبيه، و لا ملائكته.

الثالث: قضاء الله الذي أخبر نبيه و ملائكته بوقوعه في الخارج الا أنه موقوف علي أن لا تتعلق مشيئة الله بخلافه. و هذا القسم هو الذي يقع فيه البداء «يمحو الله ما يشاء و يثبت و عنده أم الكتاب. لله الامر من قبل و من بعد».

و قد استدل - سماحته - علي ان البداء الذي تقول به الشيعة: هو القسم الثالث من القضاء - بجملة من الاخبار و الروايات المأثورة عن اهل البيت (ع) و أضاف بعد ذلك ايضاحا وافيا لحقيقة البداء بقوله:

والبداء انما يكون في القضاء الموقوف المعبر عنه بلوح المحو و الاثبات و الالتزام بجواز البداء لا يستلزم نسبة الجهل الي الله سبحانه، و ليس في هذا الالتزام ما ينافي عظمته و جلاله.

فالقول بالبداء هو الاعتراف الصريح بأن العالم تحت سلطان الله و قدرته في حدوثه و بقائه، و ان ارادة الله نافذة في الأشياء أزلا و أبدا بل و في القول بالبداء يتضح الفارق بين العلم الالهي و بين علم المخلوقين فعلم المخلوقين - و ان كانوا أنبياء أو أوصياء - لا يحيط بما أحاط به علمه تعالي فان بعضا منهم و ان كان عالما - بتعليم الله اياه - بجميع عوالم الممكنات لا يحيط بما أحاط به علم الله المخزون الذي استأثر به لنفسه، فانه لا يعلم بمشيئة الله تعالي - لوجود شي ء - أو عدم مشيئته الا حيث يخبره الله تعالي به علي نحو الحتم.

و القول بالبداء يوجب انقطاع العبد الي الله و طلبه اجابة دعائه منه، و كفاية مهماته، و توفيقه للطاعة، و ابعاده عن المعصية، فان انكار البداء



[ صفحه 232]



والالتزام بأن ما جري به قلم التقدير كائن لا محالة - دون استثناء - يلزمه يأس المعتقد بهذه العقيدة عن اجابة دعائه. فان ما يطلبه العبد من ربه و ان كان قد جري قلم التقدير بانفاذه فهو كائن لا محالة، و لا حاجة الي الدعاء و التوسل. و ان كان قد جري القلم بخلافه لم يقع أبدا، و لم ينفعه الدعاء و لا التضرع. و اذا يئس العبد من اجابة دعائه ترك التضرع لخالقه حيث لا فائدة في ذلك. و كذلك الحال في سائر العبادات و الصدقات التي ورد عن المعصومين (ع) انها تزيد في العمر أو في الرزق أو غير ذلك مما يطلبه العبد [3] .

و دعم السيد قوله بعد هذا بالآيات و الأخبار الواردة من الفريقين علي ضرورة البداء و لزوم القول به.

هذا هو رأي الشيعة في البداء - كما أفاده آية الله الخوئي - و هو صريح واضح يقضي بصحته الدليل و يعضده البرهان.


پاورقي

[1] و رواه الشيخ الكليني عن أبي بصير. الوافي باب البداء (ج 1 ص 113).

[2] و رواه الشيخ الكليني عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر (ع) نفس المصدر.

[3] البيان في تفسير القرآن: (ج 1 ص 271 - 276).