بازگشت

مشكلة خلق القرآن


و حدثت في عصر الامام (ع) مشكلة خطيرة هي «مسألة خلق القرآن» فقد اختلف فيها العلماء اختلافا كثيرا، و عاني جماعة منهم سخط الدولة و نقمتها و غضب الجمهور، و قد حدثت هذه الفكرة في أواخر الدولة الأموية، و قد ابتدعها الجعد بن درهم معلم مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية، فهو أول من تكلم بخلق القرآن، و قد حرر المسألة و أذاعها في دمشق، ثم طلبته السلطة فهرب منها و نزل الكوفة، فتعلم منه الجهم بن صفوان الذي تنسب اليه الطائفة (الجهمية) و قيل أن الجعد أخذ ذلك من أبان بن سمعان و أبان أخذه من طالوت بن أعصم اليهودي [1] و قتل الجعد علي يد خالد بن عبدالله القسري والي الكوفة، قتله في يوم عيد الأضحي، و قال انه يقول: «ما كلم الله موسي تكليما، و لا اتخذ الله ابراهيم خليلا» [2] .

و ظلت هذه الفكرة بعد مقتل الجعد تحت الخفاء و في طي الكتمان الي دور هارون عندما ظهر أمر المعتزلة و انتشرت أفكارها، فأعلنوا القول



[ صفحه 213]



بخلق القرآن، و كان أهم دعاتها هو بشر المريسي، فقد ظل يدعو لذلك و ألف في المسألة كتبا، فبلغ الرشيد خبره فقال: «بلغني أن بشر المريسي يقول: القرآن مخلوق. و الله لان أظفرني الله به لأقتلنه قتلة ما قتلتها أحدا» و لما علم بشر بذلك ظل متواريا طوال ايام الرشيد [3] .

و قال بعضهم: «دخلت علي الرشيد و بين يديه رجل مضروب العنق و السياف يمسح سيفه في قفا الرجل المقتول، فقال الرشيد: قتلته لأنه قال: القرآن مخلوق» [4] و اخذت الفكرة بالنمو و الاتساع حتي جاء دور المأمون، و كان يري ذلك، فنشطت الحركة و اصبحت حديث المجتمع، و قد ساندت السلطة المعتزلة و الشيعة علي ذلك و أعلن المأمون رأيه في خلق القرآن، و حمل الناس علي ذلك بالقوة و القهر.

و مهما يكن من أمر، فان القائلين بهذه الفكرة قد قاموا بثورة ضد الجمود الفكري و أعطوا للعقل الحرية و الانطلاق، و قد تعرضوا للمحنة و العذاب و التنكيل، و تعتبر هذه المسألة من أهم الأحداث الخطيرة التي حدثت في ذلك العصر، و قد تعرض لبسطها و ايضاحها الفلاسفة من المعتزلة و غيرهم و هي ترتبط ارتباطا وثيقا بالكلام النفسي فهي من مسائله و فروعه و لولا خوف الاطالة و الخروج عن الموضوع لتحدثنا عنها بالتفصيل.


پاورقي

[1] سرح العيون: ص 159.

[2] ضحي الاسلام: 3 / 161 - 162.

[3] النجوم الزاهرة: 1 / 647.

[4] تاريخ ابن كثير: 10 / 215.