بازگشت

خيانة جعفر للعباسة


و يري بعض المؤرخين أن السبب في نكبة البرامكة هي قصة (العباسة بنت المهدي) و موجزها: ان الرشيد كان لا يصبر عن جعفر ابن يحيي و أخته العباسة اذا أراد الشراب، فزوجها من جعفر و شرط عليه عدم الاتصال بها، ولكنه لم يف بعهده و شرطه، فاتصل بها فحملت منه، و بعد وضعها خافت علي طفلها من هارون، فأبعدته الي مكة، فلما علم الرشيد بذلك قتل الطفل و نكل بالبرامكة [1] .

و هذه الرواية لا يمكن المساعدة عليها بوجه - أولا - ان الرشيد لا يعني بذلك، فقد كان خليعا منسابا وراء الشهوات - كما ذكرنا ذلك بالتفصيل - و لو كان عنده هذا الشعور الديني او الاجتماعي لما سمح لأخته علية أن تغنيه و تهدي له الخمر، حتي انتشر تهتكها و خيانتها عند جميع الاوساط - ثانيا - ان جعفر قد استولي علي الرشيد و ملك قلبه و مشاعره، حتي كان



[ صفحه 215]



يجلس معه في حلة واحدة قد اتخذ لها جيبين [2] و بلغ من نفوذ جعفر أن زوج العالية من ابراهيم بن عبدالملك بن صالح العباسي و لا يعلم هارون بذلك، فلما أخبره أجاز تصرفه... الي غير ذلك من استبداده بشؤون الرشيد، و هي تدل علي مدي نفوذه عنده. فكيف يضن عليه و هو أعز الناس و آثرهم لديه باتصاله بأخته العباسة - ثالثا - ان كثيرا من المصادر التأريخية الموثوق بها قد فندت هذه القصة، فقد فندها الجهشياري مستدلا بقول مسرور خادم الرشيد، حيث سئل عن السبب في ايقاع الرشيد بالبرامكة فقال: «كأنك تريد ما تقوله العامة فيما ادعوه من أمر المرأة، لا و الله ما لشي ء لهذا من أصل» [3] أما ابن خلدون فينفي ذلك نفيا باتا و يري أنه من الأساطير، فيقول: «ان مركز العباسة الديني و الاجتماعي لا يسمح لها بارتكاب جريمة كهذه، لا سيما مع مولي من مواليها [4] .

و مهما يكن من أمر، فان هذه القصة الي الخيال أقرب منها الي المنطق لكن قسما من المؤرخين قد اهتموا بها، و تناولتها الأقلام الحديثة فأخرجنها بأسلوب خيالي لا نصيب له من الصحة.


پاورقي

[1] الطبري: 3 / 547.

[2] شرح قصيدة ابن عبدون لابن بدرون: (ص 222 - 223).

[3] الجهشياري: ص 254.

[4] المقدمة: 12.