بازگشت

سعة نفوذهم


لعل من أهم الاسباب الرئيسية التي دعت الرشيد للتنكيل بالبرامكة هي سعة نفوذهم و استيلائهم علي جميع مقدرات الدولة، حتي خاف الرشيد من زوال ملكه، و قد مال الي ذلك الاستاذ محمد كرد علي فقال:

«و لما رأي - الرشيد - أن ملكه في خطر محقق من نفوذ آل برمك لانصراف الوجوه اليهم لكثرة ما أحسنوا الي الناس، حتي ساووا الخليفة و أربوا عليه في المكانة، أمر بالقبض عليهم و مصادرة أموالهم و قتلهم... و ذلك لأن خافهم علي ملكه» [1] .

و قد ظهرت منهم بوادر تدل علي عزمهم بقيام انقلاب عسكري يقضون فيه علي حكمه و ينقاون الخلافة من العباسيين الي غيرهم، فقد تحدث جعفر عن أبي مسلم و أهميته في نقل الخلافة من الأمويين الي العباسيين فقال: «ان أبامسلم نقل الدولة من قوم الي قوم بالقتل و اراقة الدم، و انما الرجل من ينقلها من غير سفك دم» و قد نقل حديثه الي الرشيد فخاف و بادر الي نكبة البرامكة [2] .

و مهما يكن من أمر، فان العامل الوحيد الذي حفز هارون - فيما نحسب - الي التنكيل بجعفر و باقي أسرته هو سعة نفوذهم، و قبضهم علي زمام الحكم بيد من حديد، فقد كان بداره من الموظفين من أبناء يحيي ابن خالد خمسة و عشرون ما بين صاحب سيف و قلم [3] .



[ صفحه 218]



و كان من الصعب القضاء عليهم لولا استعمال المباغتة و المفاجأة في البطش بهم، فانهم لو علموا بذلك لما تمكن علي القيام بأي حركة انقلابية و لقضي عليه نظرا لاتصالهم الوثيق بزعماء الجيش و قادته و نعمهم الوفيرة علي الكثيرين من الناس، فلو قاموا بانقلاب عسكري لوجدوا تأييدا شاملا من الجماهير الاسلامية الكارهة لحكم العباسيين، بالاضافة الي أن لهم الصلات التامة بالفرس الذين هم أهم ركيزة في الدولة الاسلامية.

و هناك عوامل اخري ذكرها المؤرخون احصاها بعضهم الي اربعين عاملا، و مال الي كل واحد منها فريق من المؤرخين و الكتاب، أدت الي نكبة البرامكة، كالوشاية بهم من حاسديهم... و غيرها، و نكتفي بهذا العرض الموجز من اسباب البطش بهم.


پاورقي

[1] الاسلام و الحضارة العربية: 2 / 213.

[2] براءة العباسة: ص 53.

[3] مقدمة ابن خلدون: ص 13.