بازگشت

اعدام جعفر


كان جعفر في قصره يلهو و يلعب و لا يعلم ما دبر له، و كان ابوزكار الأعمي يغنيه بهذا البيت:



فلا تبعد فكل فتي سيأتي

عليه الموت يطرق أو يغادي



و كان فيه تنبؤ عن وقوع الحادث الخطير، فبينما كان المغنون يعزفون له بهذا البيت، اذ دخل عليه مسرور الخادم بغير اذنه و هو مسلح، فلما رآه جعفر جفل منه، و أخذته رعدة الذعر و الخوف و أخبره مسرور بما أمر به فجعل جعفر يتضرع اليه و يذكره بأياديه و نعمه عليه، و طلب منه أن يمهله الي الصبح لعل هارون يرجع الي صوابه و رشده فيعفو عنه، فامتنع من اجابته، و أخيرا طلب منه أن يأتي به الي مضرب الخليفة ليسمع مقالته و حكمه فيه، فأجابه الي ذلك و نهضا معا، و دخل مسرور علي هارون،



[ صفحه 219]



فقام اليه و هو ثائر لم يملك أعصابه قد تغيرت أحواله، فبادره مسرور قائلا له:

«يا أميرالمؤمنين! قد انتهي كل شي ء، و رأس جعفر قريب منك»

ففهم هارون الأمر، فوعده بالقتل علي تأخيره لحكم الاعدام قائلا له:

«نفيت من المهدي، ان أنت جئتني و لم تأتني برأسه لأرسلن اليك من يأتيني برأسك - أولا - ثم برأسه آخرا».

فخرج و نفذ بالفور ما امر به و حمل رأس جعفر اليه.

و بقي الرشيد ليلته لم يذق طعم الرقاد ينتظر بفارغ الصبر ضوء الصباح و قبل أن يندلع نور الفجر أمر هرثمة بن أعين بحمل جثة جعفر و اعطائها الي مدير الشرطة العام: السندي بن شاهك، ليعلق رأسه في الساحة الوسطي من مدينة المنصور، و يقسم جثته الي نصفين فيصلب كل نصف منها علي رأس جسر في بغداد، كما أمره باعلان حالة الطواري ء و أن يكون الجيش علي أهبة الاستعداد خوفا من الانتفاضات الشعبية، كما فرض المراقبة الشديدة علي الجيش خوفا من تمرده و عصيانه، و أمر بالوقت بتطويق دور البرامكة و مصادرة أموالهم المنقولة و غير المنقولة، و اعتقالهم و زجهم في ظلمات السجون.

و انتشر حديث البرامكة في شرق البلاد و غربها، و صار أحدوثة المجالس، بل حديث الاجيال و الاحقاب، فذابت قلوب أنصارهم و اخوانهم و شمت بهم خصومهم و حسادهم، فقد اندك ذلك الحصن المنيع الشامخ، و ذهبت صولة البرامكة أدراج الرياح.

الي هنا ينتهي بنا الحديث عن نكبة البرامكة، و قد دلت علي بطش هارون و فتكه و كيده، فقد أنزل العقاب الصارم بأحب الناس اليه، و بذلك يعلم مدي القسوة و البالغة التي عامل بها العلويين و شيعتهم، فقد استعمل جميع امكانياته في ارهاقهم و ذعرهم و البطش بهم، و كانت محنة الامام



[ صفحه 220]



موسي (ع) من أقسي ألوان المحن و أفجعها، فقد انعدمت الرأفة و الرحمة من نفسه، فصب عليه وابلا من العقاب.

و بهذا ينتهي بنا المطاف عن عصر الامام (ع)، و قد ذكرنا بعض الاحداث الجسام في ذلك العصر، أما الاحاطة بجميع شؤونه فانها تستدعي الاطالة و الخروج عن الموضوع.



[ صفحه 223]