بازگشت

جواب سفيان


و لما وصلت رسالته الي سفيان رمي الكتاب، و قال لاخوانه الصالحين ليقرؤه بعضكم فاني استغفر الله أن أمس شيئا مسه ظالم، فلما قرأوه أمرهم بأن يكتبوا له الجواب و هذا نصه:

«من العبد الميت سفيان، الي العبد المغرور بالآمال هارون، الذي سلب حلاوة الايمان، و لذة قراءة القرآن، أما بعد: فاني كتبت اليك أعلمك أني قد صرمت حبلك، و قطعت ودك، و انك جعلتني شاهدا عليك باقرارك علي نفسك في كتابك بما هجمت علي بيت مال المسلمين، فأنفقته في غير حقه، و أنفذته بغير حكمه، و لم ترض بما فعلته، و انت ناء عني



[ صفحه 56]



حين كتبت الي تشهدني علي نفسك، فأما أنا، فاني قد شهدت عليك أنا و اخواني الذين حضروا قراءة كتابك، و سنؤدي الشهادة غدا بين يدي الله الحكم العدل، يا هارون، هجمت علي بيت مال المسلمين بغير رضاهم، هل رضي بفعلك المؤلفة قلوبهم؟، و العاملون عليها في أرض الله، و المجاهدون في سبيل الله، و ابن السبيل؟ أم رضي بذلك حملة القرآن؟ و أهل العلم - يعني العاملين -؟ أم رضي بفعلك الأيتام و الارامل؟ أم رضي بذلك خلق من رعيتك، فشد يا هارون مئزرك و أعد للمسألة جوابا، و للبلاء جلبابا، و اعلم أنك ستقف بين يدي الله الحكم العدل، فاتق الله في نفسك اذا سلبت حلاوة العلم و الزهد و لذة قراءة القرآن، و مجالسة الاخيار، و رضيت لنفسك أن تكون ظالما، و للظالمين اماما، يا هارون قعدت علي السرير و لبست الحرير، و أسلبت ستورا دون بابك، و تشبهت بالحجة برب العالمين، ثم أقعدت أجنادك الظلمة دون بابك و سترك، يظلمون الناس و لا ينصفون، و يشربون الخمر و يحدون الشارب، و يزنون و يحدون الزاني، و يسرقون و يقطعون السارق، و يقتلون و يقتلون القاتل، أفلا كانت هذه الاحكام عليك و عليهم قبل أن يحكموا بها علي الناس، فكيف بك يا هارون غدا اذا نادي المنادي من قبل الله احشروا الظلمة و أعوانهم فتقدمت بين يدي الله و يداك مغاولتان الي عنقك، لا يفكهما الا عدلك و انصافك و الظالمون حولك، و أنت لهم امام أو سائق الي النار، و كأني بك يا هارون و قد أخذت بضيق الخناق، و وردت المساق، و أنت تري حسناتك في ميزان غيرك، و سيئات غيرك في ميزانك علي سيئاتك، بلاء علي بلاء، و ظلمة فوق ظلمة، فاتق الله يا هارون في رعيتك، و احفظ محمدا صلي الله عليه و آله و سلم في أمته، و اعلم أن هذا الامر لم يصر اليك الا و هو صائر الي غيرك و كذلك الدنيا تفعل بأهلها واحدا بعد واحد، فمنهم من تزود زادا نفعه، و منهم من خسر دنياه



[ صفحه 57]



و آخرته، و اياك ثم اياك أن تكتب الي بعد هذا فاني لا أجيبك و السلام»

ثم بعث بالكتاب منشورا من غير طي و لا ختم [1] و قد دلت هذه الرسالة الخالدة علي مدي ايمان سفيان و جرأته و اقدامه، و انه يحمل رصيدا من الايمان و العقيدة و نكران الذات، فقد عرض علي هارون تصرفاته الكيفية في اموال المسلمين، و استبداده بثرواتهم، و انه مسؤول عن تصرفاته و محاسب عليها بين يدي الله تعالي، كما ذكر له فساد الجهاز الرسمي لحكومته، و انه مجموعة من الخونة و المختلسين لاموال الشعب، و ان الحدود التي يقيمونها علي السارقين و المجرمين أولي أن تقام عليه و علي اعضاء حكومته فانهم منبع الفساد و مصدر الجريمة في البلاد.

ان هارون لا يصح بأي حال أن يعد من خلفاء المسلمين المحافظين علي كيان الاسلام و تعاليمه نظرا لأعماله المجافية لروح الاسلام.


پاورقي

[1] حياة الحيوان للدميري: 2 / 188 - 189.