بازگشت

لعبه بالنرد


و لم يترك هارون اي لون من المحرمات في الاسلام الا ارتكبه، فمن ذلك لعبه بالنرد [1] و هو من أنواع القمار الذي حرمة الاسلام، فقد حدث اسحاق الموصلي عن أبيه أنه لعب يوما مع الرشيد بالنرد في الخلعة التي كانت مع الرشيد، و الخلعة التي كانت عليه فتقامر الرشيد فلما قمره قام ابراهيم فنزع ثيابه ثم قال للرشيد: حكم النرد الوفاء به، و قد قمرت و وفيت لك، فالبس ما كان علي، فقال له الرشيد: ويلك! أنا ألبس ثيابك، فقال: اي و الله اذا انصفت، و اذا لم تنصف قدرت و أمكنك، قال: ويلك! أو افتدي منك؟ قال: نعم، و قال: و ما الفداء؟ قال: قل انت يا أميرالمؤمنين. فانك أولي بالقول، فقال: أعطيك كل ما علي، قال: فمر به يا أميرالمؤمنين، فدعا بغير ما عليه فلبسه و نزع ما كان عليه فدفعه الي ابراهيم [2] و كان يلعب بالشطرنج اذا سافر في دجلة [3] و قد سار علي ذلك أولاده فكان ابنه الامين يلعب بالنرد مع وزيره الفضل بن الربيع [4] .



[ صفحه 71]



و روي المؤرخون انه كان يلعب بالصولجان [5] في الميدان، و يلعب بالنشاب في البرجاس، و يلعب بالاكرة و الطبطاب [6] و أخذ عنه ذلك ولداه فكان المأمون ينزل الي حلبة اللعب في كل يوم [7] و أمر الأمين بعد بيعته بيوم ببناء ميدان حول قصر لابي جعفر للصوالجة و اللعب [8] .

لقد ساد اللهو، و عمت الدعارة، و انتشر المجون، و تدهورت الأخلاق و اقبرت الفضائل، في عهد، هارون و لو قدر أن يبقي علي اريكة الخلافة اكثر مما بقي لانحطت الدولة الاسلامية الي مستوي سحيق أقبح الانحطاط - كما قال الدكتور مصطفي جواد - [9] .

ان الاعمال التي أثرت عن هارون قد دلت علي تحلله، و عدم تمسكه بأي رابطة دينية، فقد أسرف في الشهوات حتي صار بلاطه ملهي يضم جميع الوان الدعارة و المجون، فلا يكاد يخلو من حفلات الرقص و الغناء، و شرب الخمور، كما كان مسرحا للظلم و الجور و الاستبداد، و لم يعد حكم هارون يمثل أي جانب من جوانب الحكم الاسلامي، و قد أدرك الرشيد هذه الظاهرة فراح يتظاهر ببعض المظاهر الاسلامية فكان يحضر بعض الوعاظ فيلقون عليه المواعظ فيظهر البكاء من خشية الله كما كان يحج بيت الله الحرام و الغرض من ذلك التمويه علي البسطاء و السذج، و اغرائهم بأنه متحرج في دينه، و مهتم بشؤون الاسلام، و انه علي عكس بني أمية الذين أهملوا



[ صفحه 72]



شؤون الدين في حكمهم، و قد ألمع الي ذلك الاستاذ عمرو ابوالنصر يقوله: «ان العباسيين كانوا يتهمون الخلفاء الامويين بضعف الدين فكان من الحق و الحالة هذه أن يظهروا للناس بمظهر جديد فيه احترام للدين و تعزيز للعقائد الاسلامية» [10] .

ان بعض الطقوس الدينية التي أعلنها هارون و غيره من ملوك العباسيين لم يكن الغرض منها الا تضليل الرأي العام و خدعته بأن حكمهم يقوم بحماية الاسلام، و الذب عن مبادئه و أهدافه.

نعم ان قيامهم بالفتوحات العظيمة يدل بحسب ظاهره علي اهتمامهم بشؤون الاسلام، ولكن التأمل يقضي بأن قيامهم بذلك ما كان الغرض منه الا اتساع رقعة ملكهم، و بسط سلطانهم، و استعباد الشعوب، و الاستيلاء علي مقدراتها الاقتصادية، و لو كانوا حريصين علي مصلحة الاسلام - كما يقال - لساروا بين المسلمين بسياسة الحق و العدل، و طبقوا أحكام القرآن علي واقع الحياة، و لكن لم نر شيئا من ذلك فقد حفلت كتب التأريخ بصور مخزية من لهوهم و مجونهم، و ازدرائهم بالقيم الانسانية، و استبدادهم بشؤون المسلمين و ارغامهم علي الذل و العبودية، و لم يكن هناك أي ظل للحكم الاسلامي الهادف الي تطور الحياة و رفع مستوي الفكر.


پاورقي

[1] النرد: لعبة وضعها احد ملوك الفرس و تعرف عند العامة بلعب الطاولة.

[2] الاغاني: 5 / 69 - 70.

[3] الاغاني: 9 / 64.

[4] الفخري: ص 55.

[5] الصولجان: كلمة فارسية معربة، قال في التهذيب: الصولجان عصا يعطف طرفها يضرب بها الكرة جاء ذلك في تاج العروس: 2 / 66.

[6] بين الخلفاء و الخلعاء: ص 101.

[7] تأريخ بغداد لطيفور: ص 107.

[8] الطبري، ذكره في حوادث سنة 193.

[9] سيدات البلاط العباسي: ص 48.

[10] هارون الرشيد: ص 75.