بازگشت

مقدمة الطبعة الاولي


بسم الله الرحمن الرحيم

أطل الاسلام علي عالم يرزح بالفتن و الأضاليل فغير مجري تأريخ الحياة، و طور مفاهيمها، و خلق وعيا أصيلا في ربوع العالم انطلقت بسببه الانسانية من عقال الجهل الي ميادين الحضارة و الرقي و الابداع و بناء كيانها الاجتماعي.

لقد انطلق الاسلام كالمارد الجبار فبني في ربوع ذلك المجتمع المنهار صروحا للفضيلة و أسسا للحياة الحرة الكريمة يسود فيها الوعي الأصيل و المنطق السليم، و في نفس الوقت حطم صروح الظالمين و المستبدين و قبر الأفكار السحيقة، و هدم معالم الجاهلية الرعناء و ألغي امتيازاتها و الي ذلك البناء و الهدم يشير الحديث الشريف.

«ان الله بني في الاسلام بيوتا كانت خربة في الجاهلية، و هدم بيوتا كانت عامرة في الجاهلية».

ان البيوت التي أقامها الاسلام و أنشأ كيانها بعدما كانت خربة في الجاهلية هي اعلان الحقوق الطبيعية للانسان، و تنوبر العقول و الأفكار، و ايجاد التعاون و التضامن بين أفراد ذلك المجتمع المتفكك و رفع مستوي الحياة من الناحية الاقتصادية و السياسية، و تحقيق العدالة الاجتماعية في الأرض.



[ صفحه 10]



و اما البيوت التي حطم كيانها الاسلام فهي بيوت الظلم و الاستغلال و الاستبداد، كما هدم الاسلام جميع خرافات الجاهلية و أوهامها كعبادة الاصنام و وأد البنات، و غير ذلك من العادات الاجتماعية التي كانت مصدر شقائهم و تأخرهم.

لقد كانت الاغلبية الساحقة من العرب تأكل القد و تشرب الرفق قال الله تعالي: «و كنتم علي شفا حفرة من النار» قال قتادة في تفسير هذه الآية:

«كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلا، و أشقاه عيشا، و أبينه ضلالة، و أعراه جلودا، و أجوعه بطونا، معكومين علي رأس حجر بين الأسدين فارس و الروم، الي أن قال: حتي جاء الله بالاسلام فورثكم به الكتاب، و أحلكم به دار الجهاد، و وسع لكم به من الرزق» [1] .

ان الحياة العامة في الجزيرة قبل فجر الدعوة الاسلامية كان يسودها الفقر و الجهل و القلق و الاضطراب حتي انطلقت حضارة الاسلام تشق طريقها في أجواء التأريخ و تصنع للانسانية جمعاء ما لم تصنعه أي حضارة أخري في العالم، فكانت تبني اسسا للحياة الكريمة قائمة علي صرح شامخ من الحق و العدل.

ان الطاقات الندية الضخمة التي فجرها الرسول العظيم صلي الله عليه و آله كانت تلتقي مع الفطرة الاصيلة للانسان و تواكب وعيه المتحرر و اتجاهه السليم، و كانت تحمل طابع التوازن بكل ما لهذا اللفظ من معني، التوازن في قيادة الفرد لنفسه و التوازن بين افراد جميع المجتمع ما بين جار و قريب و ما بين حاكم و محكوم، و لم يكن المد الاسلامي مجرد دعوة تستهدف ايمانا دينيا و فيما خلقية فقد كانت دعوته الخالدة تحمل في اعماقها و جوهرها نظاما ثابتا لاقرار الحق و تحطيم المنكر و الاعتراف بالحريات و ترتيب التعامل بين



[ صفحه 11]



الافراد و الجماعات في ظل نظام مستقر تؤمن به الجماهير و تلتف حوله و تحميه لانه يصون مصالحها و يحفظ مكاسبها بعد ما كانت تئن من استغلال الطغاة لها فجاء الاسلام ليقيم فيها حكما عادلا و يعطيها حقوقها المضاعة و يوفر لها الحياة الحرة الكريمة التي يسود فيها الخير و الرفاهية.

و سارت الدعوة الاسلامية بسرعة الضوء نحو شعوب العالم و هي تنير لها معالم الحياة و تقودها نحو شاطي ء الامن و السلام و التحرر، و بادرت تلك الشعوب المغلوبة الي اعتناق هذه الدعوة الاصيلة التي تحقق أملها المنشود من التحرر و الراحة و الحماية من الاستغلال و الاستبداد و تمسكت بالاسلام و انطبعت مبادؤه في نفوسها و اندفع المسلمون الي نشر رسالة الاسلام و التبشير بأهدافه فكانوا كما قال الله تعالي في حقهم: «كنتم خير أمة اخرجت للناس» [2] و ذلك لتمسكهم الوثيق بأهداف الاسلام و اصرارهم علي تبليغ رسالته حتي قام الاسلام بجهودهم وهو عبل الذراع شامخ الكيان يحفه النصر و الظفر.

2

و لاقي الاسلام المزيد من الأهوال و المصاعب فقد نفر في وجهه منذ فجر تأريخه الطغاة المتجبرون و النفعيون الذين تحطم كيانهم و ضاعت مصالحهم فقاموا بعدوانهم المسلح تحف بهم قوي الشرك و الالحاد لمحاربة الاسلام و زعزعة كيانه ورد الدعوة الأصيلة لمصدرها، ولكن لم تلبث أن تحطمت تلك القوي الغادرة، و فشلت جميع الاعتداءات و المؤامرات التي حيكت ضده و خرج الاسلام و هو ظافر منتصر قد باء أعداؤه و خصومه بالفشل و الخسران.

و سرت موجة الفتح الاسلامي الي أغلب أنحاء المعمورة و انحسرت روح الشرك و طويت معالم الجاهلية و قبرت أفكارها، و دخلت قهرا



[ صفحه 12]



العناصر المعادية للاسلام في حظيرته ولكنها أخذت تعمل جاهدة بكل قواها للاستيلاء علي زمام الحكم فلما ظفرت به تنكرت أشد التنكر لهذا الدين فغيرت أحكام الله و بدلت سنة نبيه (ص) و نهبت أموال المسلمين، و سحقت جميع المثل العليا التي جاء بها الاسلام و اليها يشير الحديث الشريف الوارد عن النبي (ص) «ان هلاك أمتي علي يد اغيلمة من قريش».

لقد ذبلت نضارة الاسلام، و تغيرت مفاهيمه حينما استولي هؤلاء الأدعياء من الامويين علي دست الحكم، و خيم علي المسلمين ظلام دامس لا بصيص فيه من النور، قد سرت المطامع، و الاهواء الخاصة في نفوس الكثيرين منهم، و استولي عليهم الخمول و الخنوع، و صدوا عن ذكر الله و انحرفوا عن الطريق القويم، فلم يناهضوا منكرا و لم يأمروا بمعروف.

و ثقل علي أئمة أهل البيت (ع) و من شايعهم من المؤمنين و رجال الفكر ما مني به العالم الاسلامي من الذل و العبودية فانبروا الي ميادين الجهاد المقدس لانقاذ الامة من واقعها المرير، و قد قابلتهم الحكومات الاموية بما تملك من وسائل التنكيل و الارهاب فاراقت دماءهم، و طاردتهم، و اشاعت الفزع و الخوف فيهم.

و لم تخمد نار الثورة، و انما بقيت ملتهبة حتي اطاحت بالحكم الاموي و أزالت وجوده البغيض، ولكن من المؤسف حقا ان زعماء الثورة لم يقرروا مصير الامة، و لم يحققوا لها أهدافها، فقد حملوا الدعوة الي بني العباس ظانين أنهم سيحققون للعالم الاسلامي ما يصبوا اليه من نشر العدل و الرفاهية و الامن و الاستقرار.

و حينما صفا الملك لبني العباس ساسوا المسلمين بسياسة نكراء لا ظل فيها للعدل و الحق، فقد مثلت سياستهم بجميع مخططاتها السياسة الاموية الحاملة لشارات الفقر و الجهل و الظلم.



[ صفحه 13]



و انطلق العلويون مع شيعتهم يعملون جاهدين لمناجزة الحكم العباسي، و هم يدعون الي تأسيس دولة اسلامية تسود فيها أحكام القرآن، و عدالة الاسلام، و اندفع العباسيون الي مقابلتهم بكل قسوة و ضراوة، فنكلت بهم افظع التنكيل و أمره.

و كان الامام موسي (ع) في طليعة من ناهض حكومة هارون، و حرم التعاون معها في جميع المجالات حتي في الامور المباحة، و قد صب عليه الرشيد جام غضبه فأودعه في ظلمات السجون، و منع شيعته من الاتصال به، و قد ضيق عليه غاية التضييق، فقاسي (ع) جميع انواع الخطوب و الكوارث، و قد اعطي (ع) بصبره و موقفه المشرف درسا رائعا عن صمود العقيدة الاسلامية و صلابتها و عدم خضوعها بأي حال من الاحوال لمنطق القوة و السلطان.

3

و مرت علي المسلمين فترات مظلمة و أدوار قاسية الصقت بتأريخهم الناصع ألوانا دخيلة بعيدة كل البعد عن مفاهيم الاسلام و اتجاهاته، و كان ذلك ناشئا من دون شك من أولئك الأقرام الذين استولوا علي زمام الحكم ففرضوا سلطانهم علي المسلمين فرضا و قام نفوذهم علي السلاح و شراء الضمائر فهم كما قال الغزالي: «و أفضت الخلافة الي قوم تولوها بغير استحقاق» [3] .

و كان الأولي بالمسلمين أو بمؤرخيهم أن يجردوا هؤلاء الأدعياء من لقب (الخلافة) و لو فعلوا ذلك لصانوا الاسلام و حافظوا علي مثاليته من



[ صفحه 14]



هؤلاء الذين لا يمتون لهديه بصلة و لا يلتقون مع نواميسه بطريق، و من المؤسف أن تحسب هذه الجماعات علي رصيد الاسلام فيحاسب من أجلهم و تكال له الطعون و التهم من جراء موبقاتهم مع العلم ان جرائمهم و آثامهم قد دلت علي انطباع الكفر و الفسوق في مشاعرهم و نفوسهم فكيف يصح أن يضمهم أطار الاسلام؟ أو ينقد بأعمالهم؟.

ان المقياس و الميزان هي المبادي ء الاسلامية فما كان من أعمال المسؤولين و الحكام مرتبطا بها فهم محسوبون علي الاسلام و هو مسؤول عنهم، و أما التصرفات النابية التي لا علاقة لها بالاسلام و لا تمثل هديه و واقعه فانه غير مؤاخذ بها و لا هو مسؤول عنها و لا هي تمثل وجهة نظره، و كثيرون من أعداء الاسلام قد آخذوه بأعمال بعض الحكام كالوليد و المنصور و المتوكل و نظرائهم من الذين أثبتوا في أعمالهم الادارية و السياسية أنهم اعداء الاسلام و خصومه فكيف يحاسب الاسلام أو يؤاخذ علي ما اقترفوه من عظيم الذنب و الاثم.

ان علي الباحثين في شؤون الشخصيات الاسلامية أن ينظروا الي التأريخ الاسلامي بامعان و تدبر فلا يضيفون الي مراكزه العليا الا الأكفاء المتوفرين بتربيتهم علي مثاليته و هديه، و اما الأدعياء الذين حملوا معول الهدم علي كيانه و حاولوا لف لواثه فيجب تجريدهم من اطار الشخصية الاسلامية و ابعادهم عن تأريخه الناصع.

ان علي كل باحث منصف أن ينظر الي التأريخ الاسلامي نظرة عميقة فيعريه من ألوان الدعاية و الخيال ليكون فهمه له علي أساس واقعي رصين فقد ابتلي المسلمون بكثير من المؤرخين و الرواة الذين كانوا يعيشون علي موائد الملوك فافتعلوا لهم المآثر و الفضائل و أضافوا اليهم أهم النعوت و الأوصاف الأمر الذي أدي الي تشويه الواقع و ايقاع التناقض الفاحش في بحوث التأريخ



[ صفحه 15]



4

يمر العالم الاسلامي في هذا العصر بمرحلة دقيقة حاسمة من تأريخه فقد تظافرت قوي الاستعمار العالمي للاجهاز عليه و سلبه طاقاته و امكانياته و تجريده من شخصيته و تراثه و استعباده استعبادا شاملا يسلبه حرياته و يفقده أمانيه، و المسلمون غافلون عما أحدق بهم من البلاء و الخطوب قد أخلدوا لمصالحهم الخاصة الضيقة، و انشغل النابهون منهم بالاتجاهات الحزبية التي لا تخدم بلادهم، و انما تخدم الاستعمار و تحقق أطماعه و ألاعيبه.

لقد خرب الاستعمار جميع ما أودعه الاسلام في قلوب المسلمين من المثل العليا و المبادي ء الأصيلة و الوعي السليم، و شعب أوطانهم و فرق كلمتهم حتي استحالت عقولهم الي هياكل ميتة، فقد عمل جميع الوسائل لا فسادهم و النكاية بهم فدمر أرضههم بالمغريات وملأها بالفساد و الدعارة و المجون، و حرم علي ابنائهم دراسة الاسلام علي حقيقته و واقعه، و الاطلاع علي التضحيات الضخمة التي قام بها المصلحون في العصور الأولي من نشر الثقافة و تنوير الأفكار و العمل من أجل الصالح العام، و قد جهلت جميع ذلك الناشئة الاسلامية الحديثة فقد غذاها الاستعمار بأن الدين يخالف منطق العقل و أن أحكامه تجافي الطبيعة فكانت قلوبهم موغرة علي الاسلام نافرة من أهله و دعاته، فكانوا عونا للمستعمر علي محاربة الكيان الاسلامي و الهجوم علي نظامه و عقيدته، و الأنكي من ذلك اندفاعهم الهائل مع دعاة الكفر و الالحاد و تأييدهم لتلك الافكار الرجعية المنهارة التي تتنافي مع الفطرة الانسانية و تدمر جميع المثل الرفيعة.

فعلي رجال الفكر و الغياري و المصلحين أن يقدموا للمسلمين الطاقات



[ صفحه 16]



التي فجرها النبي العظيم (ص) و أمدها بالبقاء و الحياة، و يعرفوا الجماهير بالتراث الاسلامي الذي يفي بحاجاتهم، و يضمن لهم حرياتهم و حقوقهم و يوفر لهم الراحة و الاستقرار، علي دعاة الاسلام أن يفهموا المسلمين ان الاسلام ليس ذلك الذي تلوكه الألسن من غير وعي و تفهم لمبادئه و روحه بل هو الثورة الصاخبة علي الظالمين و المستبدين و أعداء الشعوب.

انه العدالة الكبري التي تبني مجتمعا رفيعا لا تضاع فيه حقوق أفراده، و لا تهدر فيه كرامتهم.

انه النظام الوحيد الذي يحطم الاستغلال و الاحتكار و ينعم في ظلاله المحرومون و البائسون.. علي دعاة الاصلاح أن يؤدوا رسالة الاسلام علي حقيقتها النازلة من رب العالمين، و يعرفوا الجماهير برجال الاسلام المخلصين الذين خدموا العالم الاسلامي و قاموا بأهم التضحيات في سبيل نشر العدالة و بسط القيم الانسانية و رفع مستوي الحياة فانه من الضرورة الملحة افهام المسلمين بذلك و تغذية ناشئتهم بالآداب الاسلامية ليتربي بذلك جيل واع سباق لفعل الخيرات و الانطلاق في خدمة بلاده و مجتمعه.

و مما لا شبهة فيه باجماع المسلمين ان اخصب رجال الاسلام علما و اكثرهم تضحية و جهادا في سبيل الله هم أئمة اهل البيت عليهم السلام فهم قدوة هذه الأمة و أدلتها علي فعل الخير و قد ضمن النبي العظيم (ص) لأمته أن لا تزيغ عن طريق الحق و الصواب لو تمسكت بهم و أخذت بتعاليمهم قال (ص):

«خلفت فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي أهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا».

و قد دلت مآثرهم و مناقبهم و سيرتهم علي تجردهم من مآثم هذه الحياة و اعراضهم عن زهوها و أباطيلها، فكان لهم اتجاه واحد هو خدمة الاسلام



[ صفحه 17]



و العمل في سبيل الصالح العام، و مما لا ريب فيه أن نهضة هذه الأمة و بلوغها الي ذروة الزحف المقدس يتوقف علي اقتدائها بسيرة أهل البيت (ع) و الأخذ بتعاليمهم و اتجاهاتهم.

و الامام موسي بن جعفر (ع) أحد شموع العترة الطاهرة، و من ركائز الاسلام العليا قد أدي رسالة ربه بأمانة و اخلاص و بالغ في ارشاد أمة جده (ص) و تحمل في سبيل ذلك أقسي ألوان المحن و الخطوب فأودعه الرشيد في ظلمات سجونه لأنه لم يجاره أو يصانعه بل قاومه و ازدري بسلطانه و صارحه بجوره و اختلاسه لمركز الخلافة الاسلامية - كما سنبين ذلك في بعض فصول هذا الكتاب - و بذلك كان (ع) من عمانقة المجاهدين في سبيل الله الناصحين لعباده.

لقد تشرفت بالبحث عن سيرة هذا الامام العظيم فذكرت في الحلقة الاولي من هذا الكتاب الادوار التي اجتازت عليه و بعض تراثه الرائع و نصائحه العليا و ارشاداته القيمة، و يتضمن البحث في الحلقة الثانية ما حدث بينه و بين هارون كما احتوي علي دراسة وافية عن سياسة هارون الرشيد، و ما أثر عنه من الاعمال المجافية لروح العدالة الاسلامية و المنافية للقيم الانسانية.

و ذكرت عصر الامام و ما حدث فيه من المشاكل و ظهور الفرق و الحركات الالحادية التي كان الغرض منها افساد عقائد المسلمين ولف لواء الاسلام الامر الذي أوجب أن يتصدي الامام (ع) و كبار تلاميذه الي نقدها بالادلة العلمية الرصينة و انقاذ المسلمين منها.

و ذكرنا عرضا موجزا لمبدأ التشيع و ما ينشده من المثل العليا، و ما قوبل به من الاضطهاد من قبل السلطة و ما عاناه رجاله من التنكيل و الارهاق لانهم كانوا يعارضون الحكم القائم المبني علي الاستبداد السياسي، و نهب أموال الناس و التحكم في أمورهم علي غير وجه مشروع.



[ صفحه 18]



انه لم تقم ثورة اصلاحية في تلك العصور الا رفعت الشيعة علمها، أو ساهمت بمدها بما تملك من وسائل القوة... فهم قادة الشعوب الاسلامية و روادها في طريق الكفاح و النضال من أجل التحرر من حكم العبودية و الذل و من اجل اعادة الحياة الكريمة التي ينشدها الاسلام في ظلال حكمه.

لقد قدمت الشيعة المزيد من التضحيات أيام الحكم الأموي و العباسي فصمدت في وجه الاعاصير، و عارضت بشدة و عنف سياسة أولئك الحاكمين الذين بنوا حكمهم علي الظلم و الجور، و علي سلب مقدرات الأمة و انفاقها علي شهواتهم و ملذاتهم و فجورهم، فنشروا التحلل و الميوعة و التسيب في ربوع العالم العربي و الاسلامي.

و قد عرض الكتاب بصورة موضوعية بعيدة عن التحيز الي بسط الكلام في ذلك كله، غرضنا أن نصوغ بعض فصول التأريخ الاسلامي علي الواقع المشرق الذي ينشده الاسلام، و ان نبرز واقع اولئك الملوك فانه ليس من المنطق في شي ء ان تحمل سياستهم علي الصحة، و نقول انهم قد خدموا القضية الاسلامية، و ساروا بين المسلمين بسياسة نيرة قوامها العدل الخالص و الحق المحض، و هم فيما اثبت التأريخ من بوادر كثيرة أثرت عنهم سواء في ميادين سياستهم أو سلوكهم تثبت بوضوح انه لا واقع لتلك الأقاويل و ذلك الادعاء.

و عرض هذا الكتاب الي ترجمة كوكبة كبيرة من اصحاب الامام و رواة حديثه الذين حملوا مشعل النهضة العلمية و الفكرية في ذلك العصر و ألفوا في مختلف العلوم و الفنون خصوصا فيما يتعلق بالفقه الاسلامي، فقد دونوا جميع أبوابه من العبادات و المعاملات، و لهم يرجع الفضل في حفظ التراث الفقهي المأثور عن أئمة اهل البيت (ع).

و بسطنا الكلام في هذا الجزء في تراجم ابناء الامام (ع) و ما أثر من سيرتهم و سلوكهم و هديهم، و ما قام به بعضهم من الثورات المتسمة بالشدة



[ صفحه 19]



و العنف أيام حكم بني العباس.

و انهيت المطاف بأخبار الامام (ع) و ما جري عليه من الارهاق و الاضطهاد في سجن هارون مع بيان اسباب سجنه، و تفصيل حال وفاته و التحقيق في أمر ذلك الحادث العظيم.

هذا بعض ما في هذا الكتاب من بحوث، ما اردت بها الا خدمة علم من اعلام العقيدة الاسلامية، و الكشف عن بعض ابعاد حياته و سلوكه راجيا من الله تعالي أن اكون قد وفقت لذلك.

و قبل انهاء هذا التقديم أري من الحق علي أن ارفع آيات الشكر الي حضرة المحسن الكبير الحاج محمد رشاد عجينة لانفاقه علي طبع هذا المجهود و غيره مما ألفته في أئمة أهل البيت عليهم السلام، سائلا من الله تعالي ان يوفقه لاحياء مآثرهم، و ان يتولي جزاءه عن ذلك، كما ان من الحق ان ارفع جزيل الشكر و التقدير الي سماحة العلامة الجليل أخي الشيخ هادي القرشي فاني في ظل مودته، و في ذري عطفه كتبت هذه البحوث آملا من الله ان يجزيه عني خير الجزاء انه تعالي ولي ذلك والقادر عليه.

المؤلف



[ صفحه 21]




پاورقي

[1] تفسير الطبري (ج 4 ص 23).

[2] سورة آل عمران: آية 110.

[3] دائرة المعارف لفريد وجدي «ج 3 ص 231 ».