بازگشت

انتقاصهم


و بذل هارون جميع جهوده و امكانياته لتحطيم العلويين و تشويه سمعتهم و أعطي المزيد من الاموال للشعراء الذين يهجونهم، و كان مفتاح الوصول اليه



[ صفحه 76]



و الاتصال به والنيل من دنياه منحصرا في هذا الطريق فقد عاتب أبان بن عبدالحميد البرامكة علي تركهم ايصاله للرشيد فقالوا له:

«و ما تريد من ذلك؟».

فقال أبان: أريد أن أحظي منه بمثل ما يحظي به مروان بن أبي حفصة».

قال له الفضل: ان لذلك مذهبا و هو هجاء آل أبي طالب و ذمهم به يحظي و عليه يعطي فاسلكه حتي نفعل».

فتوقف أبان و قال: لا استحل ذلك، فقالوا له:

«فما تصنع؟ لا يجي ء طلب الدنيا الا بما لا يحل».

و أخيرا باع دينه و تخلي عن عقيدته، و نظم قصيدة ذمهم فيها و قد جاء فيها:

نشدت بحق الله من كان مسلما

أعم بما قد قلته العجم و العرب



أعم رسول الله أقرب زلفة

لديه أم ابن العم في رتبة النسب



و أيهما أولي به و بعهده

و من ذا له حق التراث بما وجب



فان كان عباس أحق بنسلكم

و كان علي بعد ذاك علي سبب



فأبناء عباس هم يرثونه

كما العم لابن العم في الارث قد حجب



و عرض قصيدته علي الفضل فقال له: «مايرد علي أميرالمؤمنين أعجب من أبياتك» ثم مضي الي الرشيد فتلاها عليه فاعطاه و قربه اليه [1] .

لقد منح هارون الثراء العريض و وهب الاموال الطائلة لكل من انتقص العلويين من الشعراء، فقد انشده مروان بن أبي حفصة قصيدته التي جاء فيها:



أو ابناء عباس نجوم مضيئة

اذا غاب نجم لاح آخر زاهر



[ صفحه 77]



حصون بني العباس في كل مأزق

صدور العوالي و السيوف البواتر



ليهنكم الملك الذي اصبحت بكم

أسرته مختالة و المنابر



أبوك ولي المصطفي دون هاشم

و ان رغمت من حاسديك المناخر



فأعطاه خمسة آلاف دينار و كساه خلعة و أمر له بعشرة من رقيق الروم الذين أسرهم، و أركبه علي برذون من خاص مراكبه [2] .

لقد منحه هذه الاموال الضخمة لهجائه آل البيت عليهم السلام و مدحه للعباسيين و انهم أولي بالنبي من العلويين، و دخل عليه منصور النمري فأنشده قصيدته التي هجا فيها آل علي و هي:



بني حسن و قل لبني حسين

عليكم بالسداد من الأمور



أميطوا عنكم كذب الأماني

و أحلاما يعدن عدات زور



مننت علي ابن عبدالله يحيي

و كان من الحتوف علي شفير



و لو جازيت ما اقترفت يداه

دلفت له بقاصمة الظهور



يد لك في رقاب بني علي

و من ليس بالمن الصغير



و انك حين تبلغهم أذاة

- و ان ظلموا - لمحترق الضمير



ألا لله در بني علي

وزور من مقالتهم كبير



يسمون النبي أبا و يأبي

من الأحزاب سطر من سطور [3] .



و لما فرغ من انشاده قال له: ويحك ما هذا؟!! شي ء كان في نفسي منذ عشرين سنة لم أقدر علي اظهاره فأظهرته بهذا البيت - و انك حين تبلغهم أذاة - ثم قال للفضل بن الربيع: خذ بيد النميري فأدخله بيت المال ودعه يأخذ ما شاء، فأدخله الربيع بيت المال و لم يكن فيه سوي عشرين



[ صفحه 78]



بدرة فاحتملها [4] .

و كان منصور النمري يتظاهر بالميل لهارون و العداء للعلويين ولكنه كان يبطن الولاء لهم: فوشي به بعض خصومه الي الرشيد و أخبره بأنه يبطن التشيع و أنشده قصيدته التي يتفجع فيها لمقتل سيدالشهداء الامام الحسين عليه السلام، و هي:



شاء من الناس راتع هامل

يعللون الناس بالباطل



تقتل ذرية النبي و ير

جون جنان الخلود للقاتل



ويلك يا قاتل الحسين لقد

نؤت بحمل ينوء بالحامل



أي حباء حبوت أحمد في

حفرته من حرارة الثاكل



بأي وجه تلقي النبي و قد

دخلت في قتله مع الداخل



هلم فاطلب غدا شفاعته

أولا فرد حوضه مع الناهل



ما الشك عندي في حال قاتله

و انما الشك في الخاذل [5] .



و عاذ لي أني أحب بني

أحمد فالترب في فم العاذل



قد دنت ما دينكم عليه فما

وصلت من دينكم الي طائل



دينكم جفوة النبي و ما الجافي

لآل النبي كالواصل



و عرض في قصيدته لظلامة سيدة النساء فاطمة (ع)، و طالب بمن يثأر لظلامتها يقول:



مظلومة و النبي والدها

تدير أرجاء مقلة حافل



[ صفحه 79]



ألا مساعير يغضبون لها

بسلة البيض و القنا الذابل [6] .

و تلا علي هارون قوله:



آل الرسول و من يحبهم

يتطامنون مخافة القتل



أمن النصاري و اليهود و هم

من أمة التوحيد في أزل [7] .



فتحرق الرشيد غيظا و غضبا و أمر باحضاره فورا، فتوجه الجند اليه ولكنهم و صلوه ليلة مات و دفن [8] و قال الرشيد: لقد هممت أن أنبشه ثم احرقه [9] .

و خاف المسلمون في ذلك الدور المظلم من ذكر مناقب أهل البيت (ع) فلم يجرأ أحد من الشعراء علي مدحهم و رثائهم فان فاه بذلك تعرض للنقمة و العذاب فهذا ابن هرمة [10] لما مدحهم بقوله:



و مهما ألام علي حبهم

فاني أحب بني فاطمة



[ صفحه 80]



بني بنت من جاء بالمحكمات

و الدين و السنة القائمة



فسئل عن قائلها فأنكر أنه قالها، و شتم قائلها و قد أنكر عليه ابنه لأنه سب نفسه و كان يعلم انه نظم البيتين فقال له: يا بني، ان ذلك خير للمرء من أن يأخذه ابن قحطبة [11] و أعرض الناس عن ذكر أهل البيت (ع) خوفا من نقمة هارون كما اندفع بعض المارقين عن الاسلام و المنحرفين عنه الي اعلان سبهم و طعنهم تقربا للرشيد فهذا مروان بن أبي حفصة تعرض لكرامة سيدة النساء فاطمة عليهاالسلام فوصفها بأنها كانت تطحن بالرحي و ان رسول الله (ص) زوجها من أميرالمؤمنين (ع) و هو بائس فقير و قد رده ابن الحجاج [12] بقوله:



أكان قولك في الزهراء فاطمة

قول امري ء لهج بالنصب مفتون



[ صفحه 81]



عيرتها بالرحي و الحب تطحنه

لا زال زادك حبا غير مطحون



و قلت ان رسول الله زوجها

مسكينة بنت مسكين لمسكين [13] .

لقد سحق مروان بن أبي حفصة جميع المقدسات و القيم الاسلامية للتوصل الي هارون، فهاجم أعز الناس عند النبي (ص) و أحبهم اليه و هي بضعته الطاهرة سيدة النساء (ع) لينال بذلك من نعيم هارون و دنياه، اما الصفات التي حاول بها الطعن علي سيدة النساء فانها كانت من أميز صفاتها اذ ليس عليها نقص أو حزازة في طحنها الطعام لأطفالها و زوجها من دون أن تستعين بأحد فان أباها الرسول (ص) لم يشتر لها خادما يعينها علي شؤونها البيتية و هي أعز ابنائه و بناته عنده، و قد أعطي (ص) بذلك درسا



[ صفحه 82]



خلاقا لحكام المسلمين و ولاتهم في لزوم الاحتياط بأموال المسلمين و حرمة اصطفاء أي شي ء منها.

و اما زواجها من الامام أميرالمؤمنين (ع) و هو بائس فقير فلأنه لم يكن لها كف ء سواه، و ليس الاسلام ينظر في موضوع الزواج الي المادة و الثراء و انما ينظر الي العفة و الفضيلة، و ليست متع الحياة عنده ملحوظة مطلقا في هذا الموضوع مادام الانسان علي سلامة من دينه، و لم يكن في العالم الاسلامي منذ فجر تاريخه من يملك رصيدا من المواهب و الكمالات و العبقريات و صلابة العقيدة و قوة الايمان كما ملكه الامام أميرالمؤمنين عليه السلام، فهل هناك احد ضمته سماء الأمة الاسلامية أسمي منه و أرفع حتي يزوجه النبي من بضعته العزيزة عليه، ولكن النفوس التي لم تع هدي الاسلام و تعاليمه، أخذت تنظر الي سمو الشخص من زاوية واحدة و هي الثراء و المال فراحت تحاول الطعن و الانتقاص من سيدة النساء عديلة مريم بنت عمران في قداستها و عفافها لانها تزوجت من الامام أميرالمؤمنين و هو فقير لا مال عنده.


پاورقي

[1] الاغاني: 20 / 75 - 76.

[2] الطبري: 3 / 473.

[3] أشار بذلك الي الآية الكريمة في سورة الاحزاب «ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله».

[4] طبقات الشعراء: ص 246.

[5] هكذا ذكره ابن قتيبة في كتابه (الشعر و الشعراء) ص 285 و رواه الشريف المرتضي في أماليه هكذا:



ما الشك عندي في كفر قاتله

لكني قد أشك في الخاذل.

[6] المساعير: جمع مسعار، و هو موقد الحرب، البيض: السيوف الذابل: الرقيق الحاد.

[7] أزل: الضيق و الشدة.

[8] الاغاني: 12 / 20.

[9] الشعر و الشعراء: ص 258.

[10] ابن هرمة: هو أبواسحاق ابراهيم بن علي القرشي الفهري المدني، شاعر مفلق من الشعراء المخضرمين، قال الاصمعي ختم الشعر بابراهيم بن هرمة و هو آخر الحجج، و كان ممن اشتهر بالأنقطاع للطالبيين و قد اكثر من مدائحهم و رثائهم، كان جوادا كريما و هو القائل:



و يدل ضيفي في الظلام علي

اشراق ناري أو نبيح كلابي



جاء ذلك في الكني و الالقاب: (ج 1 ص 435 - 436).

[11] الاغاني: 4 / 109 - 110.

[12] ابن الحجاج: هو ابوعبدالله الحسين بن احمد بن الحجاج النيلي البغدادي الكاتب الموهوب في طليعة شعراء الشيعة، يقال انه في درجة امري ء القيس في شعره، كان معاصرا للسيدين الرضي و المرتضي له ديوان شعر كبير يقع في عدة مجلدات، جمع الشريف الرضي المختار من شعره و سماه «الحسن من شعر الحسين» و من شعره القصيدة الفائية المعروفة في مدح مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام:



يا صاحب القبة البيضاء علي النجف

من زار قبرك و استشفي لديك شفي



زوروا أباالحسن الهادي فانكم

تحظون بالاجر و الاقبال و الزلف



زوروا لمن يسمع النجوي لديه فمن

يزره بالقبر ملهوفا لديه كفي



و قل سلام من الله السلام

علي أهل السلام و أهل العلم و الشرف



اني أتيتك يا مولاي تشفع لي

و تسقني من رحيق شافي اللهف



لأنك العروة الوثقي فمن علقت

بها يداه فلن يشقي و لم يخف



و القصيدة طويلة ذكر فيها سيلا من الأدلة علي امامة أميرالمؤمنين عليه السلام و ختمها بقوله:



بحب حيدرة الكرار مفتخري

به شرفت و هذا منتهي شرفي



توفي سنة 391 هجرية في شهر جمادي الثانية في اليوم السابع و العشرين و دفن بجوار مولانا الامام موسي بن جعفر عليه السلام و أوصي أن يكتب علي لوح قبره: (و كلبهم باسط ذراعيه بالوصيد) و رثاه السيد الرضي بقوله:



نعوه علي حسن ظني به

فلله ماذا نعي الناعيان



رضيع ولاء له شعبة

من القلب مثل رضيع اللبان



و ما كانت أحسب أن الزمان

يفل بضارب ذاك اللسان



جاء ذلك في الكني و الالقاب: (ج 1 ص 245 - 247)، يوجد ديوان شعره بمكتبة الامام كاشف الغطاء العامة و قد أخذ بالصورة الفوتغرافية علي النسخة الأصلية القديمة.

[13] المناقب 2 / 97.