بازگشت

سياسته المالية


و قبل الحديث عن السياسة المالية التي انتهجها هارون نعرض الي السياسة المالية في الاسلام، لقد احتاط فيها الاسلام أشد الاحتياط فحرم علي الدولة أن تنفق أي شي ء منها في غير صالح المسلمين، و تطويرهم الاقتصادي، و لم يجز بأي حال لرئيس الدولة أن يصطفي لنفسه و ذويه أي شي ء منها، و قد دلتنا علي ذلك سيرة رسول الله (ص) فقد جاءت اليه حبيبته و وحيدته سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (ع) تبغي منه أن يمنحها وصيفا يخدمها، و يعينها علي شؤون بيتها فان يديها قد مجلتا من الرحي فردها (ص) ردا حفيا، و عهد اليها بتسبيح الله و حمده و تكبيره،



[ صفحه 27]



و قد أعطي (ص) بذلك درسا لمن يتولي شؤون المسلمين أن يحتاط في أموالهم و لا ينفق أي شي ء منها في غير صالحهم.

و سار علي وفق هذه السياسة النيرة الامام أميرالمؤمنين وصي رسول الله (ص) و باب مدينة علمه، و فقد قصده أخوه عقيل و قد المت به الحاجة و الفقر و هو يحمل معه صبيته و هم شعث الشعور غبر الألوان من البؤس كأنما سودت وجوههم بالعظلم - علي حد تعبير الامام (ع) - فرده الامام و عذله فلم ينفع معه و ألح عليه بالسؤال فكان منطق العدالة الاسلامية أنه أحمي له حديدة و أدناها من جسمه فضج من ألمها ضجيج ذي دنف، و كاد أن يحترق من ميسمها، و انصرف عنه عقيل و هو مروع حزين... كل ذلك ليري للعالم أن أموال الخزينة العامة ملك للمسلمين و ليس لزعيم الدولة أن يتصرف فيها حسب رغباته و أهوائه.

و لما وجد اصحاب الامام أثر المال في استمالة قسم كبير من الناس طلبوا منه أن يغير سياسته في توزيع المال، و أن يخص الاشراف و الوجوه بقسم منها قائلين:

«يا أميرالمؤمنين اعط هذه الأموال، و فضل هؤلاء الاشراف من العرب و قريش علي الموالي، و اشتمل من تخاف خلافه من الناس».

فأجابهم الامام (ع) بمنطق العدل و الحق:

«أتأمرونني أن أطلب النصر بالجور، لو كان المال لي لسويت بينهم في العطاء، فكيف و المال مال الله؟».

هذا هو حكم الاسلام في أموال المسلمين فهي لمجموعهم، و لا يجوز لرئيس الدولة ان يبذخ بها أو ينفقها علي رغباته و أهوائه، و تدعيم سلطانه و قد خص الاسلام صرفها بما يلي:

1 - الانفاق علي المحرومين و الايتام و الأرامل و العجزة، فيجب علي



[ صفحه 28]



الدولة أن تخصص لهم من الميزانية العامة ما يوفر لهم العيش الرغيد، و تغنيهم عما في أيدي الناس.

2 - القيام بتسديد النفقة علي من يقصر عمله عن اعاشته و اعاشة من يعول به فهي مسؤولة بتسديد أعوازهم من بيت المال.

3 - تسديد ديون المغرمين الذين لا يجدون مجالا لوفاء ديونهم شريطة أن لا يكون قد انفقوها بغير وجه مشروع.

4 - الانفاق علي من لا يتمكن من الزواج لقلة ما في يده.

5 - القيام بالمشاريع العامة التي توجب التطور الاقتصادي و الصناعي في البلاد، و زيادة الدخل الفردي.

6 - القضاء علي البطالة، و توفير العمل للمواطنين، و تحسين أحوال معيشتهم فقد اعتبر الاسلام الفقر كارثة اجتماعية يجب القضاء عليه و ازالة شبحه.

7 - الانفاق علي التعليم، و محو الامية و اشاعة العلم و المعرفة بين الناس فانه لا يمكن تطور الامة و بلوغها الي اهدافها الا اذا ساد العلم و انتشرت المعارف في جميع أوساطها.

هذه بعض الامور التي تعني بها السياسة المالية في الاسلام، ولكن هارون و غيره من ملوك الامويين و العباسيين لم يحققوا أي شي ء من ذلك علي مسرح الحياة، و انما قاموا يخضمون مال الله خضم الابل نبتة الربيع فصرفوا أموال المسلمين بسخاء علي المجون و الدعارة، و علي محاربة أهل البيت دعاة الحق و العدل في الاسلام.

و علي أي حال فان هارون في سياسته المالية قد شذ عما أثر عن الاسلام في ذلك فقد أمعن في السرف و التبذير هو و أهل بيته و وزرائه و حاشيته بينما تعيش الامة في جهد و عناء و ضيق.



[ صفحه 29]