بازگشت

شهادته


و اختلف المؤرخون في كيفية شهادته فقيل: انه أمر باخراجه من المطبق في غلس الليل البهيم فلما مثل عنده قال لجلاوزته: خذوه و اضربوه مائة عصا. فضربوه و قد اشتد به الألم و الوجع فأخذ يتوسل لهارون و يناشده



[ صفحه 101]



الله و الرحم الماسة من رسول الله (ص) و قرابته منه أن يعفو عنه، و هارون يقول له بعنف: ما بيني و بينك قرابة، ثم أمر برده الي المطبق و قال لشرطته:

كم أجريتم عليه - أي من الرزق -؟.

قالوا: أربعة أرغفة و ثمانية أرطال من الماء.

قال اجعلوه علي النصف.

ثم أخرجه في الليلة الثانية، و أمر بجلده مائة عصا فجلد، ثم قال لجلاوزته:

كم أجريتم عليه؟

قالوا: رغيفين و أربعة أرطال من الماء.

قال: اجعلوه علي النصف.

و أخرجوه في الليلة الثالثة و قد ثقل حاله و ألم به المرض فقالوا له: هو عليل مدنف فلم يكتف بذلك و انطلق يقول لهم:

كم أجريتم عليه؟.

قالوا: رغيفين و رطلين من الماء.

قال: فاجعلوه علي النصف.

ثم أمر باخراجه فلم يبق الا قليلا حتي انتقل الي جوار ربه، و قيل انه بني عليه اسطوانة و هو حي، و قيل: انه سقاه السم و أمر باخراجه الي بلاطه فجعل يكلمه و هو لا يجيبه، فقال الرشيد لجلسائه: ألا ترون أنه لا يجيبني؟ فأخرج اليهم يحيي لسانه و قد صار أسودا مثل الفحمة نظرا لتأثير السم فيه فتغير الرشيد و قال: انه يريكم اني قد سقيته السم ثم أمر باخراجه فأخرج من عنده فما وصل الي وسط الدار حتي توفي.

و في رواية أنه لما تردت حالته أمر هارون بأن تبني عليه اسطوانة



[ صفحه 102]



با (لرافقة) و كانت وفاته سنة (177).

لقد لاقي ربه شهيدا سعيدا قد فاز برضا الله و باء خصمه بغضب الله و سخطه، و قد أحدث قتله ضجة أسي في الأوساط الاسلامية و رثته الشعراء و قد رثاه علي بن ابراهيم العلوي بقوله:



يا بقعة مات بها سيد

ما مثله في الأرض من سيد



مات الهدي من بعده و الندي

و سمي الموت به معتدي



فكم حيا حزت من وجهه

و كم ندي يحيي به المجتدي



لا زلت غيث الله يا قبره

عليك منه رائح مغتدي



كان لنا غيثا به نرتوي

و كان كالنجم به نهتدي



فان رمانا الدهر عن قوسه

و خاننا في منتهي السؤدد



فعن قريب نبتغي ثاره

بالحسني الثائر المهتدي



ان ابن عبدالله يحيي ثوي

و المجد و السؤدد في ملحد



ان هارون لم يراقب الله تعالي في اراقته لدماء ذرية رسول الله (ص) و التنكيل بهم و قد دل ذلك علي هتكه لحرمات الله و انحرافه عن الطريق القويم [1] .


پاورقي

[1] تجد أخبار يحيي في الكامل لابن الأثير: 6 / 5 وفيات الأعيان 1 / 158 طبع باريس، الجهشياري: 189، تأريخ الطبري: 10 / 84 - 89، مقاتل الطالبيين طبع مصر: 463 - 486، و قد اقتبسنا أكثرية هذه البحوث منه.