بازگشت

نشأته


و اختلف المترجمون له في نشأته فقيل انه نشأ بالكوفة [1] و المعروف أنه نشأ في مدينة واسط [2] و كان يتعاطي التجارة، و انتقل أخيرا الي بغداد فنزل في جانب الكرخ في قصر و ضاح [3] ، و في فترة شبابه اعتنق فكرة الجهمية و هي فكرة تدعو الي الجبر و ان الانسان مسلوب القدرة و الاستطاعة وأخيرا رفض ذلك و تبرأ منه و السبب في ذلك ما حدث به عمر بن يزيد عم هشام قال: انه أقبل الي يثرب ليناظر أباعبدالله الصادق (ع) فطلب مني أن أدخله عليه، فاعلمته اني لا أفعل ما لم استأذنه» فدخلت علي أبي عبدالله فاستأذنته في ادخال هشام عليه، فأذن لي، فقمت من عنده و خطوت خطوات فذكرت رداءته و خبثه، فقال لي أبوعبدالله: أتتخوف علي؟ فخجلت من قولي و علمت اني قد عثرت، فخرجت خجلا، و اعلمت هشاما بالاذن، فدخل و دخلت معه، فلما استقر بنا المجلس سألنا أبوعبدالله



[ صفحه 339]



عن مسألة فحار فيها هشام و بقي ساكتا، فسأله هشام، أن يؤجله فأجله، أبوعبدالله، فذهب هشام فاضطرب في طلب الجواب أياما فلم يقف عليه فرجع الي أبي عبدالله فأخبره أبوعبدالله بها، و سأله الامام عن مسائل أخري بين فيها فساد مذهبه و بطلان عقيدته فلم يطق الجواب و لم يتمكن علي حل ما أورده الامام عليه فخرج من عنده و قلبه مترع بالألم و الحزن و الحيرة، و بقي أياما و الهموم قد طافت به.

قال عمر بن يزيد: فسألني أن أستأذن علي أبي عبدالله، فاستأذنت له، فقال أبوعبدالله (ع): لينتظرني في موضع بالحيرة لالتقي معه فيه غدا ان شاء الله اذا راح النهار، قال عمر فخرجت الي هشام، فأخبرته بمقالته و أمره، فسر بذلك و استبشر، و سبقه الي الموضع الذي سماه و اجتمع بالامام ثم رأيت هشاما بعد ذلك فسألته عما كان بينهما فأخبرني أنه سبق أباعبدالله الي الموضع الذي كان سماه، فبينما هو بالانتظار و اذا بأبي عبدالله قد أقبل علي بغلة فلما بصرت به و قرب مني هالني منظره، و أرعبني حتي بقيت لا أجد شيئا أتفوه به، و لا انطلق لساني لما أردت من مناطقته، و وقف علي أبوعبدالله مليا ينظر ما أكلمه، و كان وقوفه علي لا يزيدني الا تهيبا و تحيرا، فلما رأي ذلك مني ضرب بغلته و سار حتي دخل في بعض السكك و تيقنت أن ما أصابني من هيبته لم يكن الا من قبل الله عزوجل، من عظم موقعه و مكانه من الرب الجليل، قال عمر: فانصرف هشام الي أبي عبدالله و ترك مذهبه و دان بدين الحق، و فاق أصحاب أبي عبدالله كلهم [4] و دلت هذه القصة - كما يقول الشيخ عبدالله نعمة - علي قوة العنصر الجدلي في هشام، فالمحدث لهذه القصة يعبر عنه أنه كان خبيثا في الجهمية. ثم هو يتخوف علي الامام الصادق أن ينقطع معه، و يبالغ في



[ صفحه 340]



رداءته و خبثه، و يقصد بذلك طبعا شدة عارضته و قوة جدله.

و عنصر آخر تجده فيها، هو تعطشه الي المعرفة برغبة شديدة يواصل اليها سيره، و يبذل لها جهده حتي يلتقي معه في صعيد و ما بقاؤه متحيرا أياما لا يفيق من حيرته علي حسب تعبير عمر بن يزيد، و معاودته للاتصال بالامام الصادق الذي انتهي به أمره الي ترك مذهبه و التحاقه به الا صدي حيا لرغبته الملحة، و حبه للمعرفة، و التماسها أينما كانت [5] و مهما يكن من أمر فانه منذ ذلك الوقت اتصل بالامام الصادق اتصالا وثيقا و أخذ يتلقي العلم و المعارف منه حتي أصبح في طليعة العلماء و من كبارهم بعد ما كان من مشاهير أصحاب الجهم بن صفوان [6] .


پاورقي

[1] ضحي الاسلام: 3 / 368.

[2] تنقيح المقال، و غيره.

[3] تأسيس الشيعة: ص 360.

[4] الكشي: ص 166.

[5] هشام بن الحكم: ص 55.

[6] راجع تأريخ الاسلام للذهبي: (ج 5 ص 56 - 58) و فرق الشيعة للنوبختي ص 6 و 9 و تاريخ ابن كثير.