بازگشت

اسحاق بن الحسن


ابن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) أمه أم ولد حبسه هارون فمات في سجنه [1] .

و نظرا لما لاقاه العلويون من الجور و الاضطهاد فقد هرب الكثيرون منهم، فمن جملة الهارببن أحمد بن عيسي بن زيد بن الامام زين العابدين عليه السلام هرب الي البصرة و كان يدعو الناس لنفسه سرا فاغتم هارون من أمره و جعل لمن جاء به أموالا طائلة فطلبته العيون و الجواسيس فلم تعثر



[ صفحه 104]



عليه، فعثروا علي صاحبه (حاضر) فحملوه الي الرشيد فلما صار بباب الكرخ رفع صوته قائلا: «أيها الناس أنا حاضر صاحب أحمد بن عيسي ابن زيد العلوي و قد أخذني السلطان»، فمنعته الشرطة من الكلام، و جي ء به مخفورا الي الرشيد، فلما وقع نظره عليه سأله عن المكان الذي يقيم فيه احمد و عن أعوانه و أنصاره فأبي أن يخبر بأي شي ء فتهدده الرشيد و توعده بالعذاب الأليم فانبري اليه و هو غير مكترث بتهديده و لا معتن بسلطانه قائلا له:

«و الله، لو كان تحت قدمي هذه ما رفعتها عنه، و أنا شيخ قد جاوزت التسعين، أفأختم عملي بأن أدل علي ابن رسول الله حتي يقتل؟.

و ثار الرشيد و فقد صوابه و اختياره فأمر بضربه فضرب ضربا مؤلما فمات تحت السياط، و أمر بصلبه فصلب في بغداد، و خفي أمر أحمد و لم يعلم له خبر بعد ذلك [2] .

هذا بعض ما صبه هارون علي العلويين من المآسي و الكوارث، فلا يكاد يجف دم علوي منهم حتي يسفك دم علوي آخر.

و الخلاصة انه أشاع فيهم القتل و التنكيل و نشر الحزن و الحداد في بيوتهم



[ صفحه 105]



حتي هرب الكثيرون منهم فزعين تطاردهم الشرطة و العيون قد شاهدوا من الارهاب و الأذي ما لا نظير له في فظاعته و مرارته، و أما ما لاقاه الامام موسي (ع) من هذا الطاغية فقد عقدنا له فصلا خاصا تحدثنا فيه عما جري عليه من التعذيب و الارهاق.

الي هنا ينتهي بنا الحديث عن دور هارون و قد وقفنا بما ذكرناه علي جانب كبير من خلاعته و مجونه، و استهتاره بالقيم الاسلامية، و فقد كان لا يبارح العود و الشراب و منادمة المغنين، و قد عاش عيشة طرب و لهو غارقا في اللذة و العبث و المجون.

و قد أجمع فقهاء المسلمين علي أن من يتولي منصب الخلافة الاسلامية لابد أن تتوفر فيه جميع النزعات الخيرة من العلم و التقوي و الحريجة في الدين و الاحتياط الشديد بأموال المسلمين، و ان يكون بلاطه قاعدة اسلامية، و مركزا للحق و العدل، و مصدرا للامر بالمعروف و النهي عن المنكر في جميع انحاء البلاد، و ان تعمل الهيئة الحاكمة بجد و نشاط علي صالح المجتمع، و تطوير البلاد في مجالاتها الثقافية، و الاقتصادية فتزيل جميع عوامل التأخر و الانحطاط و تنشر الأمن و الدعة و الاستقرار، و تراقب الحياة الاقتصادية فلا تدع ظلا للبؤس و الحرمان... هذا واجب السلطة التي تضفي علي نفسها النيابة عن النبي (ص) و تدعي انها تمثل الواقع الاسلامي، و الديني، ولكنا مع الأسف الشديد لم نر في ظل اكثر الحكومات الأموية و العباسية أي جانب من الحكم الاسلامي المشرق، و لم تطبق علي واقع الحياة الاهداف العريضة التي ينشدها الاسلام... فلم نر الا الظلم الفاحش، و الاستهانة البالغة بحق الأمة، و الاستبداد بثرواتها، و بذلها بسخاء علي ما حرم الله، و مطاردة القوي الواعية التي تأمر بالعدل الاجتماعي و العدل السياسي، فقد لاقت تلك القوي الخيرة التي يمثلها العلويون جميع صنوف الارهاب و التنكيل و الآلام...



[ صفحه 106]



و بعد هذا هل يصح أن يقال: ان ملوك بني أمية و بني العباس حماة الاسلام و خلفاء النبي (ص) علي أمته؟؟

و علي أي حال فان الأعمال التي أثرت عن هارون قد جافي بها الحق و العدل و كان من الضروري - فيما نحسب - الوقوف علي ذلك فانه من الأسباب التمهيدية لمعرفة محنة الامام و بلائه في ذلك الدور الرهيب الذي انعدمت فيه جميع الحريات، و قد عاني الامام و غيره من قادة الفكر أقسي الوان المحن و الخطوب.



[ صفحه 109]




پاورقي

[1] شرح شافية أبي فراس.

[2] اليعقوبي: 3 / 154، و في عمدة الطالب: (ص 259) ان احمد كان عالما فقيها كبيرا زاهدا، أمه عاتكة بنت الفضل بن عبدالرحمن بن العباس بن الحارث الهاشمية مولده سنة (158) و وفاته سنة (240) و عمي في آخر عمره، و روي ابوالفرج في الأغاني ان اسحاق بن ابراهيم الموصلي لما نعي الي المتوكل اغتم و حزن عليه و قال: ذهب صدر عظيم من جمال الملك و بهائه و زينته، و نعي اليه بعد ذلك احمد بن عيسي فقال: تكافأت الحالتان، و بهذا نقف علي مدي تسيب الاخلاق في تلك الأدوار المظلمة التي كان يعد فيها الماجنون من جمال الملك و بهائه و زينته.