بازگشت

مع ضرار الضبي


و كان ضرار الضبي من الجاحدين للامامة، قد التقي بهشام، فسأله



[ صفحه 350]



هشام:

- أتقول ان الله عدل لا يجور؟

- نعم.

- لو كلف الله المقعد المشي الي المساجد، و الجهاد في سبيل الله، و كلف الأعمي قراءة المصاحف و الكتب، أتراه كان عادلا أم جائرا؟

- ما كان الله ليفعل ذلك.

- قد علمنا ما كان يفعل ذلك ولكن علي سبيل الجدل و الخصومه ان لو فعل ذلك، أليس كان في فعله جائرا؟ و كلفه تكليفا لا يكون له السبيل الي اقامته و ادائه.

- لو فعل ذلك لكان جائرا.

- اخبرني عن الله عزوجل هل كلف العباد دينا واحدا لا اختلاف فيه لا يقبل منهم الا أن يأتوا به كما كلفهم؟

- بلي.

- جعل لهم دليلا علي وجود ذلك الدين أو كلفهم ما لا دليل علي وجوده، فيكون بمنزلة من كلف الاعمي قراءة الكتب، و المقعد المشي الي المساجد و الجهاد.

و وجم ضرار فلم يجد منفذا يسلك فيه، و قد أعياه الأمر، و التفت الي هشام قائلا:

- لابد من دليل، و ليس بصاحبك - يعني الامام عليا (ع) -

فضحك هشام، و قال له: لا خلاف بيني و بينك الا في التسمية، و طفق ضرار قائلا:

- اني أرجع اليك في هذا القول.

قال هشام: هات.

ضرار: كيف تعقد الامامة؟



[ صفحه 351]



هشام: كما عقد الله النبوة.

ضرار: فاذن هو نبي:

هشام: - لا - لأن النبوة يعقدها أهل السماء و الامامة يعقدها أهل الأرض، فعقد النبوة بالملائكة، و عقد الامامة بالنبي، و العقدان جميعا باذن الله.

ضرار: ما الدليل علي ذلك؟

هشام: الاضطرار في هذا.

ضرار: و كيف ذلك؟

هشام: لا يخلو الكلام في هذا من أحد ثلاثة وجوه، أما أن يكون الله رفع التكليف عن الخلق بعد الرسول، فلم يكلفهم و لم يأمرهم و لم ينههم و صاروا بمنزلة السباع، و البهائم التي لا تكليف افتقول: هذا يا ضرار؟

ضرار: لا أقول هذا.

هشام: الوجه الثاني الذي ينبغي أن يكون الناس المكلفون قد استحالوا بعد الرسول علماءا في مثل حد الرسول في العلم حتي لا يحتاج أحد الي أحد فيكونوا كلهم قد استغنوا، و أصابوا الحق الذي لا اختلاف فيه، افتقول هذا يا ضرار؟

ضرار: لا أقول: هذا ولكنهم يحتاجون الي غيرهم.

هشام: يبقي الوجه الثالث، لأنه لابد من علم يقيمه الرسول لهم، لا يسهو، و لا يغلط، و لا يحيف، معصوم من الذنوب مبرأ من الخطايا يحتاج اليه و لا يحتاج الي أحد..» [1] .

و سكت ضرار أمام هذا المنطق الفياض المدعم بالدليل العقلي الذي هو بعيد عن عنصر الجدل و النقاش.



[ صفحه 352]



هذه بعض مناظرات هذا العملاق العظيم، و قد فتق بها مباحث الفلسفة الكلامية، و بقيت من بعده غذاءا لمن يخوضون هذه البحوث، فقد «بقي جماعة يناظرون علي مبادئه حتي في عصور متأخرة مثل أبي عيسي محمد ابن هارون الوراق، و أحمد بن الحسين الراوندي و غيرهما، و قد وضع هذا الأخير كتابه «فضيحة المعتزلة» و هاجم فيه الآراء الاعتزالية و رجالها مهاجمة شديدة، معتمدا في كثير منها علي آراء هشام، كما يظهر تأثيره من كتابه الذي وضعه في حدوث العلم، و نجد أثر ذلك في دفاع المعتزلة أنفسهم الذين عنوا بردها و نقضها و منهم بشر بن المعتمر من أفضل علماء المعتزلة - كما يقول الشهرستاني - فقد وضع كتابا في الرد علي هشام بن الحكم» [2] .


پاورقي

[1] بحارالانوار 11 / 229 - 291.

[2] هشام بن الحكم: ص 221.