بازگشت

عصر الامام


و اتسم عصر الامام (ع) بموجات رهيبة من النزعات الشعوبية و العنصرية و النحل الدينية، و الاتجاهات العقائدية التي لا تمت الي الاسلام بصلة، و لا تلتقي معه بطريق، و قد تصارعت تلك الحركات الفكرية تصارعا لا هدوء فيه و لا استقرار، حتي امتد ذلك الصراع الي اكثر العصور، و يعود السبب في ذلك الي أن الفتح الاسلامي قد نقل ثقافات الأمم و سائر علومهم الي العالم العربي و الاسلامي، بالاضافة الي أن الاسلام قد جاء بموجة عارمة من العلوم و الافكار، و دعا المسلمين في نفس الوقت الي الانطلاق و التخصص في جميع الوان المعارف، و قد أحدث ذلك انقلابا فكريا في المجتمع الاسلامي و تبلورت الأفكار بألوان من الثقافة لم يعهد لها المجتمع نظيرا في العصور السالفة، و قد اتجهت تلك الطاقات العلمية التي تفجرت في ذلك العصر الي الجانب العقائدي من واقع الحياة فحدثت المذاهب الاسلامية و الفرق الدينية و تشعبت الامة الي طوائف وقع فيما بينهما من النزاع و المخاصمات و الجدال الشي ء الكثير، فكانت النوادي تعج بالمعارك الدامية و الصراع العنيف خصوصا فيما يتعلق باثبات الخالق و صفاته الايجابية و السلبية و القضاء و القدر و مسألة خلق القرآن، و كان من أبرز المتصارعين في هذه الساحة هم علماء الكلام و المتكلمون.

و قد الفت كثير من الكتب في هذا الموضوع و هي حافلة بصور كثيرة من تلك المشاجرات و الخصومات.

و كانت من أخطر الدعوات المحمومة التي اندلعت في ذلك العصر هي الدعوة الالحادية. فقد بشر بها الدخلاء الذين يحملون في قرارة نفوسهم الحقد في الاسلام و المسلمين، و قد ثقل عليهم امتداد حكم الاسلام و انتشار سلطانه في الارض، فرأوا أن لا طول لهم الي مقابلته من طريق الحرب و القوه فأخذوا يبثون سمومهم في نفوس الناشئة الاسلامية و يلقون الشبه و الاوهام



[ صفحه 110]



في نفوس المسلمين حتي استجاب لهم جمع من المخدوعين و المغرورين، و كان موقف الامام موسي (ع) و كبار القادة و رجال الفكر من أصحابه هو التصدي لنقد تلك الافكار الوافدة بالأدلة العلمية الرصينة و بيان فسادها و بعدها عن منطق الواقع، و كانت تحمل احتجاجاتهم طابع الاخلاص للحق و الحرص علي صالح المسلمين، و قد اعترف قسم كبير من حملة تلك المبادي ء بخطئهم و فساد اتجاههم، فرجعوا الي حظيرة الحق و الصواب، و قد لمعت بسبب ذلك حركة التشيع و ذاعت المقدرة العلمية لقادتها حتي دان بها قسم كبير من المسلمين، و قد ثقل ذلك الامر علي المسؤولين فتصدوا لهم بالاضطهاد و التنكيل و منعوهم من الكلام في مجالات العقيدة حتي اضطر الامام موسي (ع) في أيام المهدي أن بعث الي هشام أن يكف عن الكلام نظرا لخطورة الموقف فكف هشام عن ذلك حتي مات المهدي [1] .

و لابد لنا من التحدث - و لو اجمالا - عن هذه الجهات، كما أن من الضرورة عرض بعض الأحداث الجسام التي وقعت في ذلك العصر، و معرفة سياسة الحكم القائم آنذاك، فان الاحاطة بهذه الامور مما تتوقف عليه دراسة حياة الامام (ع) كما انها تكشف لنا جانبا كبيرا عن المشاكل السياسية و الاجتماعية السائدة في ذلك العصر، و فيما نحسب أنه لا غني للباحث من الاحاطة بذلك.


پاورقي

[1] رجال الكشي: 172.