بازگشت

يحيي بن الحسين


ابن زيد بن علي بن الحسين (ع) من أصحاب الامام، و كان يري مذهب الوقف [1] و هو أحد الشهود في وصية الامام (ع) و قد طلب من



[ صفحه 360]



من أبيه أن يدله علي الموضع الذي اختفي فيه عمه عيسي ليمضي اليه و يراه فأبي أبوه أن يخبره بذلك خوفا علي عيسي من أن يظهر أمره فتعرفه السلطة و بعد الالحاح عليه قال له: ان هذا أمر يثقل عليه و أخشي أن ينتقل عن منزله كراهية للقائك اياه فتزعجه، فتلطف يحيي بأبيه مدة من الزمن حتي طابت نفسه فأجابه الي ذلك وجهزة الي الكوفة و قال له:

اذا صرت الي الكوفة فاسأل عن دور «بني حي» فاذا دللت عليها فاقصدها في السكة الفلانية، و ستري في وسط السكة دارا لها باب صفته كذا فأعرفه و اجلس بعيدا منها في أول السكة فانه سيقبل عليك عند المغرب كهل طويل مسنون الوجه [2] قد أثر السجود في جبهته، عليه جبة صوف يستقي الماء علي جمل، و قد انصرف يسوق الجمل، لا يضع قدما، و لا يرفعها الا ذكر الله - عزوجل - و دموعه تنحدر علي وجهه، فقم و سلم عليه و عانقه، فانه سيذعر منك كما يذعر الوحش، فعرفه نفسك، و انتسب له فانه يسكن اليك و يحدثك طويلا، و يسألك عنا جميعا و يخبرك بشأنه، و لا يضجر بجلوسك معه، و لا تطل عليه و ودعه، فانه يستعفيك من العودة اليه، فافعل ما يأمرك به من ذلك، فانك ان عدت اليه تواري عنك، و استوحش منك، و انتقل عن موضعه، و عليه في ذلك مشقة.

و خرج يحيي قاصدا الي الكوفة فلما انتهي اليها قصد سكة بني حي بعد العصر فجلس خارجها بعد أن تعرف علي البيت فلما غربت الشمس أقبل عيسي علي وصف الحسين لا يرفع قدما، و لا يضعها حتي يذكر الله تعالي و دموعه تترقرق في عينيه فقام اليه يحيي فعانقه فذعر عيسي منه، فقال له:

يا عم، أنا يحيي بن الحسين بن زيد بن أخيك.



[ صفحه 361]



فلما سمع عيسي ذلك ضمه اليه و بكي حتي كاد أن يتلف. ثم أناخ جمله، و جلس معه فجعل يسأله عن أهله رجلا رجلا و امرأة امرأة و صبيا صببا و يحيي يشرح أخبارهم و عيسي آخذ بالبكاء، ثم قال له: «يا بني أنا أستقي علي هذا الجمل الماء فأصرف ما اكتسب به من أجرة الي صاحبه، و اتقوت بباقيه، و ربما عاقني عائق عن استقاء الماء فأخرج الي البرية - يعني ظهر الكوفة - فألتقط ما يرمي الناس به من البقول فاتقونه.

و قد تزوجت من هذا الرجل ابنته، و هو لا يعلم من أنا الي وقتي هذا، فولدت مني بنتا، فنشأت و بلغت، و هي أيضا لا تعرفني و لا تدري من أنا، فقالت لي أمها: زوج ابنتك من ابن فلان السقاء - رجل من جيراننا يسقي الماء - فانه أيسر منا، و قد خطبها، و ألحت علي، فلم أقدر علي اخبارها بأن ذلك الشخص غير كف ء لها فيشيع خبري، فجعلت تلح فلم أزل أستكفي الله أمرها حتي ماتت بعد أيام، فما أجدني آسي علي شي ء من الدنيا أساي علي أنها ماتت و لم تعلم بموضعها من رسول الله (ص).

ثم أقسم علي ابن أخيه يحيي أن ينصرف و لا يعود اليه، و ودعه [3] و هكذا كان أهل البيت ما بين قتيل و سجين، و مشرد يطاردهم الرعب و الفزع خوفا من نقمة الظالمين، ففي ذمة الله ما لا قوه من الفجائع و المصائب و الخطوب.


پاورقي

[1] الخلاصة.

[2] و في رواية مستور الوجه.

[3] مقاتل الطالبيين: ص 408 - 410.