بازگشت

موقف الاسلام منها


و تميز موقف الاسلام بالشدة و الصرامة لكل نزعة فاسدة توجب تصديع شمل المسلمين و اشاعة التنافر فيما بينهم، فقد أعلن الاسلام منذ بزوغ نوره أن المسلمين يد واحدة، و ان رابطة الدين أقوي من رابطة النسب، و قد شجب النبي (ص) جميع النعرات الشعوبية و القومية، فقد هزأ بعض المنافقين من أذان بلال الحبشي لأنه لم يكن يستطيع النطق بالشين، فكان يبدلها سينا، و كان يقول اسهد أن لا اله الا الله، فانطلق بلال الي رسول الله (ص) فأخبره بسخرية القوم و استهزائهم به، فساء ذلك رسول الله (ص) و انبري يقول:

«ان سين بلال شين عند الله»

و قال (ص): منددا بهؤلاء المنافقين:

«ان سين بلال خير من شينكم»

و كان النبي (ص) جالسا مع سلمان الفارسي، و بلال الحبشي و صهيب الرومي، و عمار، و خباب، و غيرهم من ضعفاء المؤمنين فأقبل عليه الأقرع ابن حابس التميمي، و عيينة بن حصين الفزاري و غيرهم من مشايخ العرب فالتفتوا الي رسول الله (ص) فقالوا له:

«يا رسول الله لو نحيت هؤلاء عنك حتي نخلوا بك فان وفود العرب



[ صفحه 118]



تأتيك فنستحي أن يرونا مع هؤلاء ألا عبد، فاذا انصرفنا فعد الي مجالستهم...».

فأنزل الله تعالي علي نبيه هذه الآية الكريمة «و لا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداوة و العشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شي ء و ما من حسابك عليهم من شي ء فتطردهم فتكون من الظالمين» [1] .

فدنا رسول الله (ص) منهم، و أقبل عليهم يحادثهم، و لم يعن بأولئك المنافقين [2] .

و أخذ بعض المؤلفة قلوبهم يفخرون بأنسابهم، و يذكرون أياهم آبائهم في الجاهلية أمام سلمان الفارسي، و قد تكرر ذلك منهم في غير مجلس، فقام سلمان، و اخبر النبي (ص) بذلك، فانبري (ص) الي مسجده و هو فزع قد علاه الأسي و الذهول فأعلن أمام الناس قوله الشهير:

«سلمان منا أهل البيت»

و قال (ص) «الصدقة حرام علي سلمان»

و قد شجب (ص) جميع الوان التفرقة بين المسلمين، فقال (ص): «لا فضل لعربي علي أعجمي الا بالتقوي» و قال الله تعالي في كتابه الكريم: «يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر و أنثي و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله أتقاكم».

و طبق هذه السياسة النيرة وصي النبي (ص) و باب مدينة علمه الامام اميرالمؤمنين (ع) فانه حينما تسلم زمام السلطة ساوي بين جميع المسلمين في العطاء و غيره، فعاملهم معاملة واحدة، من دون تمييز فيما بينهم، فهم جميعا عنده بمنزلة سواء، و قد أدلي (ع) بهذه المساواة في دستوره الدولي



[ صفحه 119]



الذي أعلن فيه حقوق الانسان، قال (ع) لمالك: «الناس صنفان: اما أخ لك في الدين أو شبيه لك في الخلق» و وفدت عليه سيدة قرشية تطلب منه زيادة مرتبها، فرأت علي باب الجامع امرأة عجوز فسألتها عن معاشها فأجابتها بأنها تتقاضي من بيت المال، و كان ما تنقاضاه بقدر ما تأخذه تلك السيدة فساءها ذلك، و تمسكت بالعجوز و جعلت تصيح: هل من العدل و الانصاف أن يساوي علي بيني و بين هذه الفارسية؟ و دخلت الجامع و هي ترفع عقيرتها بذلك، فلما انتهت الي اميرالمؤمنين قالت له بعنف:

كيف تساوي بيني و بين هذه الأمة؟

فرمقها الامام (ع) بطرفه، و أخذ قبضة من التراب، و جعل يقلبها بيده، و هو يقول:

«لم يكن بعض هذا التراب أفضل من بعض»

و تلا قوله تعالي: «يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر و انثي و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله أتقاكم».

و قد أثارت عليه هذه السياسة أحقاد العرب و اضغان قريش، فانبري اليه بعض أصحابه، فطلبوا منه ان يغير سياسته قائلين: «يا أميرالمؤمنين: اعط هذه الاموال، و فضل هؤلاء الأشراف من العرب و قريش علي الموالي و العجم».

فلذعه هذا المنطق الرخيص، و قال لهم:

«أتأمرونني أن أطلب النصر بالجور؟!!»

ان تفضيل العرب علي العجم جور و اعتداء علي حقوق المسلمين في نظر ابن أبي طالب رائد المساواة و العدالة في الأرض.

و قد ادت هذه السياسة العادلة الي تكتل القوي الباغية و تضافرها علي مناجزته، و قد نص علي ذلك المدائني بقوله: «ان من أهم الاسباب في



[ صفحه 120]



تخاذل العرب عن علي بن أبي طالب كان اتباعه لمبدأ المساواة بين الناس حيث كان لا يفضل شريفا علي مشروف، و لا عربيا علي عجمي و لا يصانع الرؤساء و القبائل» [3] .

و كانت هذه السياسة النيرة امتدادا لرسالة النبي (ص) و اتباعا لمنهجه.... و قد رأي العجم و الموالي هذا العدل المشرق الذي سار عليه أميرالمؤمنين (ع) فتمسكوا به، و اتخذوه قدوة فذة، و طالبوا حكام المسلمين بالاقتداء به، و تطبيق منهجه، و قد لاقوا صنوف الارهاق و التنكيل من أولئك الحكام الطغاة الذين ساسوا الامة بسياسة نكراء لا ظل فيها للعدل و الحق.


پاورقي

[1] سورة الأنعام: آية 52.

[2] مجمع البيان: 7 / 305.

[3] شرح ابن أبي الحديد: 1 / 180.