بازگشت

علمه


كان الامام الرضا (ع) علي غرار آبائه في عبقرياته، و مواهبه العلمية و قد أجمع الرواة علي أنه كان أعلم أهل عصره، و قد افتي الناس بمسجد جده رسول الله (ص) و هو ابن نيف و عشرين سنة [1] و قال عبدالسلام بن صالح الهروي: «ما رأيت أعلم من علي بن موسي الرضا (ع) و لا رآه عالم الا شهد له بمثل شهادتي، و لقد جمع المأمون في مجالس له عددا من علماء الأديان، و فقهاء الشريعة، و المتكلمين، فغلبهم عن آخرهم، حتي ما بقي منهم أحد الا أقر له بالفضل، و أقر علي نفسه بالقصور، و لقد سمعته يقول: كنت أجلس في «الروضة» و العلماء بالمدينة متوافرون، فاذا علي الواحد منهم عن مسألة أشاروا لي بأجمعهم، و بعثو الي المسائل فأجيب عنها..» [2] .



[ صفحه 382]



و قد عني محمد بن عيسي بتدوين المسائل التي سئل عنها الامام الرضا (ع) فكانت ثمانية عشر الف مسألة [3] .

و قد أشاد الامام موسي (ع) بمواهب ولده الرضا و علمه فقال لبنيه: «هذا أخوكم علي بن موسي عالم آل محمد فاسألوه عن أديانكم، و احفظوا ما يقول لكم: فاني سمعت جعفر بن محمد (ع) يقول لي: «ان عالم آل محمد لفي صلبك، و ليتني أدركت فانه سمي اميرالمؤمنين - يعني جده الامام علي بن أبي طالب (ع) -» [4] .

ان الشيعة منذ فجر تأسيسها حتي يوم الناس هذا تعتقد اعتقادا جازما لا يخامره أدني شك ان الامام لابد أن يكون أعلم أهل عصره و لابد أن يتمتع بطاقات ضخمة من العلم بحيث لا يجاريه أحد في فضله و مواهبه... و كان المأمون و هو أعلم ملوك بني العباس، و أذكاهم لا يؤمن بذلك، و يعتقد بأنه ضرب من الغلو، فرأي ان خير وسيلة الي انقاضه أن يعهد الي كبار العلماء علي اختلاف أديانهم و مذاهبهم بسؤال الامام في مختلف العلوم و الفنون التي اختصوا بها لعله أن يعجز عن جوابهم فيتخذ من ذلك وسيلة الي افساد المذهب الشيعي و ابطال فكرة الامامة، و هو منطق وثيق للغاية، فاحضر الجاثليق و رأس الجالوت - و هما من كبار علماء النصاري - و كذلك أحضر علماء الصابئة منهم عمران الصابئي، و الهربذ الأكبر، و احضر اصحاب زرادشت، و فسطامي، و احضر علماء الكلام منهم سليمان المروزي، و أمرهم بأن يسألوا الامام الرضا (ع) فتقدموا اليه، و سألوه عن امهات المسائل الفلسفية و الكلامية و غيرها فأجابهم (ع) عنها بالتفصيل [5] و قد اعترفوا بعجزهم



[ صفحه 383]



و قصورهم، و باء المأمون بالخيبة و الخزي فقد اعتقد كثير من اولئك العلماء بفكرة الامامة، وزادت الحادثة ايمان الشيعة و وثوقها بما تذهب اليه.


پاورقي

[1] تهذيب التهذيب 7 / 388، تذكرة الخواص: 198.

[2] كشف الغمة: 3 / 107، و في نور الأبصار «ص 140 «قال ابراهيم بن العباس: ما رأيت الرضا سئل عن شي ء الا علمه، و لا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان الي وقت عصره، و كان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كل شي ء فيجيبه الجواب الشافي.

[3] مناقب ابن شهرآشوب 4 / 351.

[4] كشف الغمة 3 / 107.

[5] المناقب 4 / 351.