حقد المأمون علي الامام
و حقد المأمون علي الامام حقدا كثيرا، و أترعت نفسه بالبغي و الشر عليه، و ذلك لما ظهر من فضل الامام، فقد عجت النوادي بذكر مآثره و مناقبه، و تحدثت الركبان بمواهبه، و عبقرياته، فصار الناس لا يذكرون الا فضله و فضل آبائه.
و مما زاد في حقد المأمون خروج الامام (ع) الي صلاة العيد حيث طلب منه المأمون أن يؤم الناس فامتنع (ع) من اجابته، و أصر عليه المأمون اصرارا شديدا فاضطر الي اجابته، ولكنه شرط عليه أن يخرج الي الصلاة كما كان يخرج جده رسول الله (ص) و جده الامام اميرالمؤمنين (ع) فقال له المأمون اخرج كيف شئت، و أوعز المأمون الي قادة الجيش و سائر الناس أن يتجهوا الي أبي الحسن، و أقبلت الجماهير تتقدمها قادة الجيش الي باب الامام الرضا (ع) فلما طلعت الشمس قام (ع) فاغتسل و تعمم بعمامة بيضاء و ألقي طرفا منها علي صدره، و طرفا بين كتفيه، و قال لمواليه: افعلوا مثل ما فعلت، و أخذ بيده عكازا و مشي، و أبي أن يركب، و كبر اربع تكبيرات، و قد تهيأ الجيش، و استعد استعدادا رسميا، فلبسوا السلاح و تزينوا بأحسن زينة، و طلع عليهم الامام كأنه البدر، فوقف علي الباب فكبر اربعا، و قال الله اكبر علي ما هدانا، الله اكبر علي ما رزقنا من
[ صفحه 392]
بهيمة الانعام، الحمد لله علي ما ابلانا، و ضجت الأرض بالتكبير و البكاء فقد تذكر الناس في صورة الامام و حالته جده الرسول (ص) الذي جاء لانقاذ العالم، و عرفوا ضلال اولئك الملوك الذين تجبروا و تكبروا.
و كان (ع) في كل عشر خطوات يكبر ثلاثا، و تخيل الناس ان السماء و الأرض تجاوبه، و صارت مرو ضجة واحدة من البكاء، و بلغ المأمون ذلك فارتاع فقال له الفضل بن سهل: يا أميرالمؤمنين ان بلغ الرضا المصلي علي هذا السبيل افتتن الناس به، و الرأي ان يرجع، فرأي المأمون الصواب في رأيه، فبعث للامام يسأله الرجوع، فقفل (ع) راجعا من دون أن يصلي بالناس [1] و قد اظهرت هذه البادرة للناس روحانية آل النبي (ص) و زهدهم في الدنيا و رفضهم لمباهج الملك و السلطان، و قد أكبرها الناس أي اكبار، و فيها يقول البحري:
ذكروا بطلعتك النبي فهللوا
لما طلعت من الصفوف و كبروا
حتي انتهيت الي المصلي لابسا
نور الهدي يبدو عليك فيظهر
و مشيت مشية خاشع متواضع
لله لا يزهو و لا يتكبر
و لو أن مشتاقا تكلف غيرما
في وسعه لمشي اليك المنبر [2] .
و يقول الرواة: ان خروج الامام الي الصلاة بهذه الكيفية كانت من أقوي الاسباب التي أدت الي حقده علي الامام، و اقدامه علي اغتياله
پاورقي
[1] اصول الكافي: 1 / 189 - 190، المناقب: 4 / 371 - 372، كشف الغمة.
[2] المناقب 4 / 472.