بازگشت

اغتيال الامام


و انتشرت فضائل الامام الرضا (ع) و سرت بين الناس كالضوء،



[ صفحه 393]



و عجت النوادي بذكر مآثره و مناقبه، و ازدحمت العلماء من جميع الأقطار علي باب داره تستفتيه و تسأله عن امهات المسائل علي اختلاف أنواعها من الفقه و التفسير و علم الكلام و الفلسفة و الطب و غيرها، فكان عليه السلام يجيبهم من فيض علمه الذي ورثه من جده الامام اميرالمؤمنين الذي هو باب مدينة علم النبي (ص) و كانت العلماء تذيع بين العامة ما تراه من علوم الامام و فضائله، حتي سري حبه في القلوب، و تعلقت به الناس، و كانت الاستخبارات تنقل الي المأمون ذلك، فكان يتميز من الغيظ و الحقد علي الامام، فأوعز الي محمد بن عمرو الطوسي بطرد الناس عنه، و منعهم من الحضور في مجلسه.

و خاف المأمون علي ملكه، و خشي علي سلطانه، و حذر من انتفاضة الناس عليه، فقدم علي أعظم جريمة، و أفحش موبقة في الاسلام، فقام باغتيال الامام فأخذ عنبا فسمه، ثم دعا الامام، و ناوله العنقود، و قال له:

«يابن رسول الله ما رأيت عنبا أحسن من هذا!!».

فرمقه الامام بطرفه، و قال له: «ربما كان عنب أحسن منه في الجنة» و امتنع الامام من اجابته، فأصر عليه المأمون و أجبره علي تناول شي ء منه، فأخذ منه قليلا ثم رمي به، و قام من مجلسه، فقال له المأمون:

- الي أين؟

فقال له بصوت خافت: الي حيث وجهتني.

و مضي الامام مسرعا الي ثويه، و قد أخذ منه الألم القاسي مأخذا عظيما، فقد تقطعت أمعاؤه من السم، و هو يعاني ألم الغربة، و البعد عن أهله و وطنه، و لم يمض قليل من الوقت حتي وافاه الأجل المحتوم فصعدت تلك الروح العظيمة الي بارئها... تلك الروح التي هي قبس من نور الله



[ صفحه 394]



خلقها ليضي ء بها غياهب الظلمات، و يرشد بها الحائر، و يأمن بها المظلوم و يلجأ اليها الخائف و المستجير، ولكن قوي للشر و الطغيان قد اطفأت ذلك الكوكب، و حرمت الانسان من الاستضاءة بنوره.

لقد رزي ء العالم الاسلامي بتلك الفاجعة الكبري، و خسر بموته خيرا كثيرا، لقد انطوي عز المسلمين و مجدهم، و غاب عنهم من كان يحنو عليهم، و يعطف، و من كان يوجههم الي الخير، و يبعدهم عن الآثام و الشرور.

و كان المأمون يترقب وفاة الامام بفارغ الصبر، فلما وافاه النبأ بموته انبري و هو يظهر الحزن، و يقول أمام الناس لنفي الجريمة عنه: «كنت آمل أن اقدم قبلك، ولكن أبي الله الا ما أراد» [1] .

و أخذ المأمون في تجهيز الامام، و تكفينه، و بعد الفراغ منه حمل الي مقره الأخير، و قد جري له تشييع هائل لم تشهد نظيره خراسان في جميع مراحل تأريخها، و مشي خلف النعش العظيم المأمون و هو حاف حاسر، رافعا عقيرته قائلا:

«لقد ثلم الاسلام بموتك، و غلب القدر تقديري فيك» [2] .

و جاء بالجثمان المقدس فشق له لحدا الي جانب قبر الرشيد، فواراه فيه، و قد واري معه الحلم و العلم و السخاء، فقد أودع في ارض فارس مصباح من أئمة الهدي، و قد تقدست تلك البقعة الطاهرة، و بلغت القمة شرفا و مجدا، فقد أحيطت بهالة من التكريم و التقديس عند جميع المسلمين

و سئل المأمون عن السبب في مواراة الامام الي جانب أبيه، فقال: «ليغفر الله لهارون بسبب جواره للرضا» و هو منطق هزيل فان كل انسان



[ صفحه 395]



يدفن بعمله، و لا يجديه شرف الجوار، و قد انبري دعبل الخزاعي الي الرد عليه بقوله:



قبران في طوس خير الناس كلهم

و قبر شرهم هذا من العبر



ما ينفع الرجس من قبر الزكي و ما

علي الزكي بقرب الرجس من ضرر



هيهات كل امري ء رهن بما كسبت

له يداه فخذ ما شئت أو فذر



و هذا هو منطق العدل و الحق، فماذا يجدي هارون قربه من الامام و جواره منه، و قد تلطخت أيديه بدماء ذرية النبي فأشاع فيهم القتل و الاعدام و أسكن بيوتهم الثكل و الحزن و الحداد.

و بهذا العرض الموجز ينتهي بنا المطاف عن حياة هذا الامام العظيم و عسي أن يساعدنا التوفيق فنتشرف بالبحث عن شؤونه و أحواله».


پاورقي

[1] كشف الغمة 3 / 123.

[2] عيون اخبار الرضا 2 / 241.