بازگشت

وفاة محمد


و من المؤسف الذي يحز في النفس انه في تلك الفترة الحاسمة قد مني الثوار بوفاة الزعيم محمد بن ابراهيم، و نصت اكثر المصادر أنه توفي وفاة طبيعية، و عزت بعض المصادر أن أباالسرايا دس اليه السم فاغتاله ليتخلص منه، و اكبر الظن أنه توفي حتف أنفه لأن الثورة كانت في بداية أمرها، و ليس من الممكن بأي حال من الأحوال أن يقدم أبوالسرايا علي اغتياله في تلك الفترة الحرجة التي لم يتيقن فيها بنجاح ثورته.

و مهما يكن من أمر فان أباالسرايا قام بتجهيز الجثمان المقدس، و بعدما غسله و ادرجه في اكفانه خرج في غلس الليل البهيم و معه جماعة من الزيدية فحملوا النعش الطاهر و جاؤا به الي الغري فدفنوه فيه [1] و لما انبلج نور الصبح جمع الناس فنعي اليهم محمدا و عزاهم بوفاته فارتفعت الأصوات من جميع الجهات بالبكاء و العويل، ثم التفت اليهم قائلا:

«و قد اوصي أبوعبدالله الي شبيهه، و من اختاره، و هو أبوالحسن علي بن عبيدالله، فان رضيتم به فهو الرضا، و الا فاختاروا لأنفسكم»



[ صفحه 404]



فجعل الناس ينظر بعضهم الي بعض و لم ينطق أحد منهم ببنت شفة و ساد عليهم الوجوم، و انبري محمد بن محمد بن زيد و هو غلام حدث السن فقال:

«يا آل علي: ان دين الله لا ينصر بالفشل، و ليست يد هذا الرجل عندنا بسيئة، و قد شفي الغليل، و أدرك الثأر».

و التفت الي علي بن عبيدالله فقال له: ما تقول: يا أباالحسن؟ فقد وصانا بك، امدد يدك نبايعك ثم قال:

«ان أباعبيدالله رحمه الله قد اختار فلم يعد الثقة في نفسه، و لم يألوا جهدا في حق الله الذي قلده، و ما أرد وصيته تهاونا بأمره، و لا أدع هذا نكولا عنه، ولكن اتخوف أن اشتغل به عن غيره مما هو أحمد و أفضل عاقبة، فامض رحمك الله لأمرك و اجمع شمل بني عمك، فقد قلدناك الرياسة علينا، و أنت الرضا عندنا الثقة في انفسنا».

ثم قال لأبي السرايا: ما تري؟ أرضيت به؟.

فقال: رضائي من رضاك، و قولي مع قولك، و جذبوا يد محمد بن محمد فبايعوه و في الوقت نضم شؤونه و بعث عماله الي الاقطار الاسلامية، فولي اسماعيل بن علي علي الكوفة، و روح بن الحجاج علي شرطته، و عاصم ابن عامر للقضاء، و جعل أحمد بن السري علي شرطته، و ولي نصر بن مزاحم السوق، و عقد لأبراهيم بن موسي علي اليمن، و ولي زيد بن موسي علي الأهواز، و ولي العباس بن محمد علي البصرة و الحسن بن الحسن الأفطس علي مكة، و عقد لجعفر بن محمد بن زيد و الحسين بن ابراهيم بن الحسن علي واسط [2] و ضربت النقود بالكوفة و كتب عليها الآية الكريمة: «ان الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص».



[ صفحه 405]



و استتب الأمر الي أبي السرايا و أخذت الثورة تتسع في مناطق العالم الاسلامي و ادرك العباسيون الخطر الذي يهددهم بزوال حكمهم بين عشية و ضحاها و قد مني و الي العراق الحسن بن سهل بالفشل الذريع، فكتب الي طاهر بن الحسين لينفذه الي قتال أبي السرايا، كما كتبت اليه رقعة فيها هذه الأبيات و قد أخفي صاحبها اسمه و هي:



قناع الشك يكشفه اليقين

و أفضل كيدك الرأي الرصين



تثبت قبل ينفذ فيك أمر

يهيج لشره داء دفين



أتندب طاهرا لقتال قوم

بنصرتهم و طاعتهم يدين



سيطلقها عليك معقلات

تصر و دونها حرب زبون



و يبعث كامنا في الصدر منه

و لا يخفي اذا ظهر المصون



فشأنك و اليقين فقد أنارت

معالمه و أظلمت الظنون



و دونك ما تريد بعزم رأي

تدبره و دع ما لا يكون



فلما قرأها رجع عن رأيه و كتب الي هرثمة بن أعين يسأله التعجيل و أوفد اليه السندي بن شاهك الا انه كانت بين الحسن بن سهل و هرثمة شحناء و تنافر، فلما انتهي اليه الكتاب قال:

«نوطي ء نحن الخلافة، و نمهد لهم أكنافها، ثم يستبدون بالأمور و يستأثرون بالتدبير علينا، فاذا انفتق عليهم فتق بسوء تدبيرهم و اضاعتهم الامور، أرادوا أن يصلحوه بنا، لا والله و لا كرامة حتي يعرف أميرالمؤمنين سوء آثارهم، و قبيح أفعالهم».

و تباعد السندي عنه حين يئس منه ولكن وردته رسالة من المنصور ابن المهدي فقرأها و أجاب بعد ذلك و رجع الي بغداد فلما صار الي النهروان خرج لاستقباله البغداديون و القواد و الوجوه و ترجلوا جميعا حينما رأوه حتي أتي الي منزله، و أمر الحسن بن سهل بدواوين الجيش فنقلت اليه ليختار



[ صفحه 406]



من الرجال ما شاء، و أطلق له بيوت الاموال، و أخذ يجمع الجيوش حتي صار عنده ثلاثون الف مقاتل ما بين فارس و راجل، و لما تم له ما أراد من العدد و العدة زحف بجيشه نحو الكوفة فاجتاز علي المدائن و كانت خاضعة لحكم أبي السرايا فاستولي عليها و هزم عاملها ثم زحف نحو الكوفة فالتقي العسكران عند قصر ابن هبيرة، فوقع بينهما الحرب، فقتل من أصحاب أبي السرايا خلق كثير و ألح عليه هرثمة بالحرب فأجابه الي ذلك حتي تفتت جميع قواه و لم يعد قادرا علي حماية الكوفة التي هي عاصمته و مركز ثورته فاضطر لمغادرتها قاصدا نحو القادسية، و استولي هرثمة علي الكوفة، و ترك أبوالسرايا القادسية منهزما حتي أتي الي (السوس) فأغلق أهله الأبواب فطلب منهم أن يفتحوها له ففتحوها، و طلب منه عاملها مغادرتها فأبي فوقعت الحرب بينهم، فقتل جماعة من أصحابه، و انهزم أبوالسرايا قاصدا الي خراسان فنزل قرية يقال لها (برقانا) فخرج اليهم عاملها فاجتمع بهم و أعطاهم الأمان علي أن يرسلهم الي الحسن بن سهل، فأجابوه الي ذلك و بالوقت حملهم اليه، و كان آنذاك مقيما بالمدائن، فلما وصلت اليه الأسري أمر بقتل أبي السرايا، و بعد قتله أمر بصلب رأسه في الجانب الشرقي من بغداد كما أمر بصلب بدنه في الجانب الغربي منها [3] و كانت المدة بين خروجه و قتله عشرة أشهر [4] .

ان حادثة أبي السرايا ترتبط ارتباطا وثيقا بزيد و بابراهيم و بغيرهما من أولاد الامام، فقد اشترك الكثيرون منهم فيها الا أن زيدا و ابراهيم كانا في الطليعة ممن ساهم فيها، و قد اسندت لهما الولاية علي بعض الأقطار الاسلامية.



[ صفحه 407]



أما ما وقع لابراهيم بعد فشل الحركة و القضاء عليها فقد وردت عدة روايات و هي:

«الاولي»: أنه بعد ما ولاه أبوالسرايا علي اليمن مضي اليها فأذعن له أهلها بعد اصطدام يسير وقع بينهم و بينه [5] .

«الثانية»: أنه كان أميرا علي مكة المشرفة، فلما بلغه خبر أبي السرايا ظهر بمكة سنة (201 ه) و دعا الناس لنفسه فاستجاب له جمهور غفير من الناس، فقام بالأمر و قتل خلقا كثيرا ممن يري رأي العباسية، و أقام الحج في تلك السنة، و هو أول علوي أقام فيها الحج، فخاف منه المأمون فخادعه باستخلافه علي اليمن، فقدم صنعاء، و كان فيها ابن فاهان فخاذله حتي اسره [6] .

«الثالثة» أنه كان بمكة حين مقتل أبي السرايا، فلما بلغه ذلك سار الي اليمن و استولي علي كثير من مناطقها، و دعا الناس لنفسه [7] .

«الرابعة»: انه استولي علي اليمن، و امتدت حكومته الي الساحل و الي القرن الشرقي من اليمن و حج بالناس في عهد المأمون، و قد خطب في الناس في الحرم الشريف فدعا للمأمون و لولي عهده الامام الرضا (ع) [8] .

«الخامسة»: أنه حارب المأمون، و انكسر جيشه ففر هاربا الي مكة، و لما جاء المأمون الي بغداد جاء ابراهيم اليه فآمنه [9] .



[ صفحه 408]



هذه بعض الروايات التي وردت فيه، و أكبر الظن أنه فتح اليمن و استولي عليها، و بعد فشل حركة أبي السرايا انهار عزمه، فطلب الأمن من المأمون فآمنه، و مما يؤيد ذلك ما روي أن الامام الرضا قد تشفع فيه عند المأمون لما كان في خراسان فشفعه فيه و أطلق سراحه [10] .


پاورقي

[1] المقاتل: ص 532.

[2] المقاتل: ص 532 - 533.

[3] المقاتل: ص 549.

[4] الطبري: 10 / 231.

[5] المقاتل: ص 534.

[6] تحفة الازهار.

[7] تأريخ الدول الاسلامية.

[8] مختصر اخبار الخلفاء.

[9] اعيان الشيعة: 5 / 481 نقلا عن السيد حسن الصدر في بعض فوائده.

[10] تحفة الأزهار.