بازگشت

العباس


عده الشيخ في رجاله من اصحاب الامام الكاظم (ع)، و قال: انه ثقة، و شجب بعضهم وثاقته و عدالته نظرا لمخاصمته للامام الرضا (ع) و منازعته له بغير حق، فقد روي الكليني في (أصول الكافي) في باب النص علي امامة الامام الرضا (ع) وصية أبيه الامام موسي (ع) له و سنذكر نصها في الفصول الآتية من هذا الكتاب و قد الزم الامام ابناءه فيها بعدم



[ صفحه 425]



فضها، و لما توفي (ع) تقدم بعض ابنائه بالشكاية علي الامام الرضا عند قاضي المدينة، فأمر باحضار الامام الرضا (ع) مع اخوانه فلما حضروا انبري العباس فخاطب القاضي بقوله:

«اصلحك الله، و أمتع بك، ان في أسفل هذا الكتاب كنزا و جوهرا يريد ان يحتجبه و يأخذه دوننا و لم يدع أبونا شيئا الا جعله له، و تركنا عالة، و لولا اني اكف نفسي لأخبرتك بشي ء علي رؤوس الملأ».

فوثب اليه ابراهيم بن محمد و قد غاظه هذا الكلام القاسي فقال له:

«اذا والله تخبر بما لا نقبله منك، و لا نصدقك عليه، ثم تكون عندنا ملوما مدحورا، نعرفك بالكذب صغيرا و كبيرا، و كان أبوك أعرف بك لو كان فيك خير، و قد كان أبوك عارفا بك في الظاهر و الباطن و ما كان ليأمنك علي تمرتين».

و وثب اليه اسحاق بن جعفر عمه فأخذ بتلابيبه و قال له:

«انك لسفيه ضعيف أحمق هذا مع ما كان منك بالأمس».

و أجمع القوم علي لومه و تقريعه، فالتفت القاضي الي الامام الرضا (ع) قائلا له: قم يا أباالحسن حسبي لا يلعنني أبوك [1] اليوم، لا والله ما أحد أعرف بالولد من والده، و لا والله ما كان ابوك عندنا بمستخف في عقله و لا ضعيف في رأيه، فالتفت اليه العباس قائلا له:

- أصلحك الله، فض الخاتم، و اقرأ ما تحته.

- حسبي، لا يلعنني أبوك.

- أنا أفضه.

- ذاك اليك.

فقام العباس بلا حياء، فأخذ الوصية ففتحها فاذا فيها اخراجهم من



[ صفحه 426]



الوصية و التنصيص علي انفراد الامام الرضا (ع) بوصيته فافتضح العباس و اصابه الذل و الهوان فالتفت الامام الرضا (ع) فقال له و لأخوته:

«يا أخي اني أعلم انما حملكم علي هذه، الغرائم و الديون التي عليكم و التفت (ع) الي مولاه سعيد فأمره بأن يسدد ديون أخوته و ينفق عليهم، و قال لهم: والله لا أدع مواساتكم و بركم ما مشيت علي الارض فقولوا ما شئتم.

فقال له العباس: ما تعطينا الا من فضول أموالنا، و مالنا عندك اكثر»

فانبري اليه الامام (ع) فأجابه بمنطق الحلم و الرأفة و العفو قائلا له: قولوا ما شئتم، فالعرض عرضكم فان تحسنوا فذاك لكم عند الله، و ان تسيئوا فان الله غفور رحيم والله انكم لتعرفون أنه مالي في يومي هذا ولد و لا وارث غيركم، و لئن حبست شيئا مما تظنون أو ادخرته، فانما هو لكم و مرجعه اليكم، والله ما ملكت منذ مضي أبوكم شيئا الا و قد سيبته حيث رأيتم».

فوثب اليه العباس قائلا: والله ما هو كذلك، و ما جعل الله لك من رأي علينا، ولكن حسدا بينا لنا و تكلم بكلام تمثلت فيه الجفوة، فقال له الامام (ع):

«لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم، أما أنا يا اخوتي فحريص علي مسرتكم، اللهم انك تعلم أني محب صلاحهم، بار بهم، واصل اليهم رفيق عليهم، معني بأمورهم ليلا و نهارا فاجزني به خيرا» و ان كنت علي غير ذلك فأنت علام الغيوب فاجزني به ما أنا أهله، ان كان شرا فشرا و ان كان خيرا فخيرا، اللهم اصلحهم و اصلح لهم و اخسأ عنا و عنهم الشيطان، و اعنهم علي طاعتك، و وفقهم لرشدك، أما أنا يا اخوتي، فحريص علي مسرتكم، جاهد علي صلاحكم، والله علي ما نقول وكيل».



[ صفحه 427]



فوثب اليه العباس، فرد عليه بصلافة و وقاحة قائلا:

ما اعرفني بلسانك، و ليس لمسحاتك عندي طين» [2] .

هكذا ذكر الرواة عنه، والله العالم بحقيقة الحال و أعقب العباس القاسم و امه أم ولد تدعي ندام، و قد اختفي من السلطة في «سوري» و أخذ يزرع البقل و يتقوت من ثمنه و لم يكن أحد هناك يعرفه، و قد احتف به الناس نظرا لزهده و عبادته و كلما حاولوا أن يخبرهم باسمه و نسبه فيمتنع اشد الامتناع، و قد تزوج بامرأة، فولدت له بنتا و جاء اليه شخص يدعي عيسي و هو يريد الحج فجاء ليودعه، فسأله عن حاجته، فقال له: ان لي اليك حاجة!

- و ما هي؟

- تحمل ابنتي هذه الي المدينة، فاذا وصلت اليها فسل عن الطريق الفلاني - و عين له الطريق - فاذا دخلته فاترك هذه الصبية هناك، و اذهب لشأنك.

و سافر عيسي الي الحج فلما انتهي الي يثرب ترك الطفلة في المحل الذي عينه له فجاءت الي دار فطرقت بابها ففتحت لها الباب فدخلت، و بأسرع ما يكون علا الصراخ و العويل من داخل الدار فسأل عيسي عن سبب ذلك فقيل له قد وصل الخبر بوفاة القاسم بن العباس و ان هذه الطفلة ابنته فتعجب عيسي و بعد رجوعه الي بلده اخبره الناس بوفاة القاسم فأعلمهم عيسي بأنه حفيد الامام موسي وحدثهم بشأن طفلته فانبري طائفة من المؤمنين، فبنوا علي جدثه الطاهر قبة و هو يزار حتي الآن [3] .



[ صفحه 428]




پاورقي

[1] نظرا الي ان وصية الامام، قد جاء فيها اللعن علي من فضها.

[2] تنقيح المقال: 2 / 130.

[3] ذكر ذلك البراقي علي هامش تحفة الازهار الذي استنسخه بيده، و جاء في سبك الذهب لابن معية ان القاسم بن العباس مدفون «بشوشي».