بازگشت

سمو شخصية الامام


الامام موسي (ع) من ألمع الشخصيات الاسلامية في ذلك العصر فهو من أئمة المسلمين، و أحد أوصياء الرسول (ص) علي أمته - كما دان بامامته جمهور كبير من المسلمين، و قد أجمع المسلمون علي اختلاف مذاهبهم



[ صفحه 444]



علي اكبار الامام و تقديره، و قد ذكرنا في «الحلقة الاولي» من هذا الكتاب سيلا من أقوال كبار المؤلفين و العلماء علي تبجيل الامام، و الثناء عليه

و قد تحدث الناس في عصره عن علومه و تقواه و ورعه و مكارمه، و كان هارون نفسه ممن يجله و يعتقد بأن الخلافة الاسلامية هو أولي بها منه كما حدث بذلك المأمون، فقد قال لندمائه:

أتدرون من علمني التشيع؟؟.

فانبروا جميعا قائلين: - لا والله ما نعلم -.

علمني ذلك الرشيد.

فقالوا كيف ذلك؟ و الرشيد كان يقتل أهل هذا البيت!!

قال: كان يقتلهم علي الملك لأن الملك عقيم، ثم أخذ يحدثهم عن ذلك قائلا: لقد حججت معه سنة فلما انتهي الي المدينة قال: لا يدخل علي رجل من أهلها أو من المكيين سواء كانوا من أبناء المهاجرين و الانصار أو من بني هاشم حتي يعرفني بنسبه و أسرته، فأقبلت اليه الوفود تتري و هي تعرف الحاجب بأنسابها، فيأذن لها، و كان يمنحها العطاء حسب مكانتها و منزلتها، و في ذات يوم اقبل الفضل بن الربيع حاجبه و هو يقول له: رجل علي الباب، زعم أنه موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع).

فلما سمع ذلك هارون أمر جلساءه بالوقار و الهدوء، ثم قال لرئيس تشريفاته:

ائذن له، و لا ينزل الا علي بساطي.

و أقبل الامام (ع) و قد وصفه المأمون فقال: انه شيخ قد انهكته العبادة كأنه شن بال قد كلم السجود وجهه، فلما رآه هارون قام اليه و أراد الامام أن ينزل علي دابته، فصاح الرشيد لا والله الا علي بساطي فمنعه



[ صفحه 445]



الحجاب من الترجل، و نظرنا اليه بالاجلال و الاعظام، و سار راكبا الي البساط، و الحجاب و كبار القوم محدقون به، واستقبله هارون، فقبل وجهه و عينيه، و أخذ بيده حتي صيره في صدر مجلسه و أقبل يسأله عن أحواله و يحدثه، ثم قال له:

يا أباالحسن، ما عليك من العيال؟

قال الامام: يزيدون علي الخمسمائة.

قال هارون: أولاد كلهم؟

قال الامام: لا، اكثرهم موالي و حشمي، فأما الولد فلي نيف و ثلاثون ثم بين له عدد الذكور و الاناث.

فقال هارون: لم لا تزوج النسوة من بني عمومتهن؟

قال الامام: اليد تقصر عن ذلك.

قال هارون: فما حال الضيعة؟

قال الامام: تعطي في وقت و تمنع في آخر.

قال هارون: فهل عليك دين؟

قال الامام: نعم.

قال هارون: - كم -؟

قال الامام نحو من عشرة آلاف دينار.

قال هارون: يابن العم، أنا أعطيك من المال ما تزوج به أولادك و تعمر به الضياع.

قال الامام: وصلتك رحم يابن العم، و شكر الله لك هذه النية الجميلة، و الرحم ماسة واشجة، والنسب واحد، و العباس عم النبي (ص) و صنو أبيه، و عم علي بن أبي طالب (ع) و صنو أبيه، و ما أبعدك الله من أن تفعل ذلك، و قد بسط يدك، و أكرم عنصرك، و أعلي محتدك.



[ صفحه 446]



فقال هارون: أفعل ذلك يا أباالحسن، و كرامة.

فقال له الامام: ان الله عزوجل قد فرض علي ولاة العهد أن ينعشوا فقراء الأمة، و يقضوا علي الغارمين، و يؤدوا علي المثقل و يكسوا العاري، و أنت أولي من يفعل ذلك.

قال هارون: أفعل ذلك يا أباالحسن.

ثم انصرف الامام (ع) فقام هارون تكريما له فقبل ما بين عينيه و وجهه ثم التفت الي أولاده فقال لهم: قوموا بين يدي عمكم و سيدكم، و خذوا بركابه و سووا عليه ثيابه و شيعوه الي منزله، فانطلقوا مع الامام بخدمته و أسر (ع) الي المأمون فبشره بالخلافة و أوصاه بالاحسان الي ولده، و لما فرغوا من القيام بخدمة الامام و ايصاله الي داره، قال المأمون: كنت أجرأ ولد أبي عليه، فلما خلا المجلس قلت له:

«يا أميرالمؤمنين، من هذا الرجل؟ الذي عظمته و قمت من مجلسك اليه فاستقبلته و أقعدته في صدر المجلس، و جلست دونه ثم أمرتنا بأخذ الركاب له».

قال هارون: هذا امام الناس و حجة الله علي خلقه و خليفته علي عباده قال المأمون: يا أميرالمؤمنين او ليست هذه الصفات كلها لك و فيك؟

قال هارون: أنا امام الجماعة في الظاهر بالغلبة و القهر و موسي بن جعفر امام حق، والله يا بني: انه لأحق بمقام رسول الله (ص) مني و من الخلق جميعا و والله لو نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عينيك فان الملك عقيم.

و بقي هارون في يثرب مدة من الايام، فلما أزمع علي الرحيل منها أمر للامام بصلة ضئيلة قدرها مائتا دينار، و أوصي الفضل بن الربيع أن يعتذر له عند الامام، فانبري اليه المأمون و هو مستغرب من قلة صلته مع



[ صفحه 447]



كثرة تعظيمه و تقديره له قائلا:

«يا أميرالمؤمنين: تعطي أبناء المهاجرين و الانصار، و سائر قريش و بني هاشم، و من لا يعرف نسبة خمسة آلاف دينار، و تعطي موسي بن جعفر و قد عظمته و أجللته مائتي دينار أخس عطية أعطيتها أحدا من الناس فثار هارون و صاح في وجهه قائلا:

«اسكت، لا أم لك، فاني لو أعطيت هذا ما ضمنته له ما كنت آمنه أن يضرب وجهي بمائة الف سيف من شيعته و مواليه، و فقر هذا و أهل بيته أسلم لي ولكم من بسط أيديهم [1] .

و دلت هذه الرواية بوضوح علي اعتقاد هارون بامامة الامام موسي (ع) و انه خليفة الله في ارضه و حجته علي عباده، و ان الخلافة الاسلامية من حقوقه الخاصة، و انه ليس هناك أحد اولي بها منه، ولكن الذي دعاه و دعا غيره الي سلبها منه و من آبائه هو حب الدنيا فالملك عقيم، كما كشف هارون بحديثه عن السبب في حرمانه للامام من عطائه حسب منزلته، و هو خوفه من انتفاضة الامام و خروجه عليه ان تحسنت حالته الاقتصادية، و هذا هو الحرب الاقتصادي الذي تستعمله بعض الدول مع خصومها لأجل انهاكها و اضعافها

لقد كان الرشيد يعلم بمكانة الامام، و يعتقد أنه خليفة الله علي عباده و انه وارث علوم الأنبياء، و كان يسأله عما يجري بعده من الأحداث فكان عليه السلام يخبره بذلك، و قد سأله عن الأمين و المأمون فأخبره بما يقع بينهما فحز ذلك في نفسه، و تألم أشد الألم و أقساه، فقد روي الاصمعي قال: دخلت علي الرشيد، و كنت قد غبت عنه بالبصرة حولا فسلمت عليه بالخلافة، فأومأ لي بالجلوس قريبا منه فجلست قريبا، ثم نهضت، فأومأ لي أن أجلس فجلست حتي خف الناس ثم قال لي:



[ صفحه 448]



«يا أصمعي ألا تحب أن تري محمدا و عبدالله ابني؟».

قلت: بلي يا أميرالمؤمنين، اني لأحب ذلك، و ما أردت القصد الا اليهما لأسلم عليهما...».

و أمر الرشيد باحضارهما، فأقبلا حتي وقفا علي ابيهما و سلما عليه بالخلافة، فأومأ لهما بالجلوس، فجلس محمد عن يمينه، و عبدالله علي يساره ثم أمرني بمطارحتهما الأدب فكنت لا ألقي عليهما شيئا في فنون الأدب الا أجابا فيه، و أصابا... فقال الرشيد:

- كيف تري أدبهما؟

- يا أميرالمؤمنين ما رأيت مثلهما في ذكائهما، وجودة فهمهما و ذهنهما، أطال الله بقاءهما، و رزق الله الأمة من رأفتهما و معطفتهما.

فأخذهما الرشيد و ضمهما الي صدره، و سبقته عبرته فبكي حتي انحدرت دموعه علي لحيته، ثم اذن لهما في القيام فنهضا، و قال:

«يا أصمعي كيف بهما اذا ظهر تعاديهما، و بدا تباغضهما، و وقع بأسهما بينهما، حتي تسفك الدماء، و يود كثير من الأحياء انهما كانا موتي...».

فبهر الأصمعي من ذلك و قال له:

يا أميرالمؤمنين هذا شي ء قضي به المنجمون عند مولدهما أو شي ء اثرته العلماء في أمرهما!!»

فقال الرشيد و هو واثق بما يقول:

«لا بل شي ء أثرته العلماء عن الأوصياء عن الأنبياء في أمرهما...»

قال المأمون: كان الرشيد قد سمع جميع ما يجري بيننا من موسي ابن جعفر [2] .



[ صفحه 449]



ان علم الرشيد بمنزلة الامام، و بما تذهب اليه طائفة من المسلمين من القول بامامته هو الذي أثار احقاده و اضغانه عليه، و دعاه الي زجه في ظلمات سجونه.


پاورقي

[1] البحار: 11 / 270 - 272.

[2] حياة الحيوان للدميري: 1 / 77.