بازگشت

حقد هارون


كان الحقد من مقومات ذات الرشيد، و من أبرز صفاته النفسية، فكان يحمل حقدا لكل شخصية مرموقة لها المكانة العليا في عصره، فلم يرق له بأي حال أن يسمع الناس أو يتحدثوا عن أي شخص بتمتع بمكانة عليا في المجتمع، و السبب في ذلك لئلا يزهد الناس فيه، و قد حاول أن يحتكر الذكر الحسن لنفسه و لذاته.

لقد حسد الرشيد البرامكة لما ذاع اسمهم، و تحدثت الناس عن مكارمهم فقد أخذ الحقد ينخر في قلبه حتي أنزل بهم العقاب الأليم فمحا وجودهم و أزال ظلهم من الأرض، و كان من الطبيعي أن يحقد علي الامام موسي (ع) لأنه ألمع شخصية في عصره، فقد تناقل الناس فضائله، و تحدثت جميع الأوساط عن علمه و مواهبه، و ذهب جمهور غفير من المسلمين الي امامته و انه أحق بمنصب الخلافة منه، و كان يذهب الي فكرة الامامة كبار الموظفين في سلك دولته كعلي بن يقطين، و ابن الأشعث و غيرهما، و كان هارون نفسه من الذين يؤمنون بأن الامام هو أولي منه بهذا المنصب الخطير، كما ادلي بذلك

لم يرق لهارون أن يري في المجتمع من هو أفضل منه، و لم يهدأ له فكر أن ينظر الي الجماهير و سائر الأوساط الشعبية و هي تؤمن بأن الامام هو أولي بالأمر من غيره، و انه في القمة العليا علما و فضلا و مأثرا و ان المسلمين قد أجمعوا علي تعظيمه و تناقلوا فضائله و علومه، فساءه ذلك، فقدم علي



[ صفحه 450]



ارتكاب الجريمة فأودع الامام في ظلمات السجون و غيبه عن الناس.

3 - حرصه علي الملك:

كان هارون حريصا علي ملكه متفانيا في حب سلطانه، فهو يضحي في سبيله جميع المقدسات و القيم، و قد عبر عن مدي حرصه علي سلطته بكلمته المعروفة التي تناقلتها الأجيال و الأحقاب و هي:

«لو نازعني رسول الله (ص) لأخذت الذي فيه عيناه».

أجل انه لو نازعه رسول الله (ص) في ملكه لأخذ الذي فيه عيناه

و مع هذا الحرص الشديد و التهالك علي السلطة، كيف يخلي عن سراح الامام و كيف تطيب نفسه و قد رأي الناس قد أجمعوا علي حب الامام و تقديره.

لقد كان هارون يقظا، فكان يخرج بغير زيه متنكرا ليسمع أحاديث العامة، و يقف علي اتجاهاتهم و رغبتهم، فكان لا يسمع الا الذكر العاطر للامام و الثناء عليه، و حب الناس له، و رغبتهم في ان يتولي شؤونهم فلذلك أقدم علي ارتكاب الموبقة، و أنهي به الحرص و الحقد الي قتله له.