بازگشت

في ظلمات السجون


لعل من أقسي المحن و أفجعها هي التي ألمت بالامام موسي شبيه عيسي بن مريم في تقواه و ورعه و صلاحه... فقد قضي زهرة حياته في ظلمات السجون محجوبا عن أهله و شيعته، و محروما من نشر علومه... و قد جهد هارون في ظلمه و ارهاقه و أمعن في التنكيل به مع علمه ان الامام لم يكن يبغي الحكم و السلطان، و انما كان يبغي نشر العدل و الحق و الدعة بين الناس، و ينعي علي اولئك الحكام ظلمهم و جورهم و استبدادهم بامور المسلمين.

لقد حفل تاريخ الانسانية قديما و حديثا بالثورات الصاخبة التي قام بها المصلحون علي حكام الظلم و الجور في سبيل اسعاد أوطانهم و ابناء نحلتهم حتي عانوا في سبيل ذلك جميع ضروب الأذي و أنواع الاضطهاد و التنكيل.

و في طليعة المجاهدين و المنافحين عن كرامة المسلمين أئمة أهل البيت عليهم السلام، فقد قدموا اروع التضحيات و خاضوا أقسي الوان النضال في سبيل الله و رفع كلمة المسلمين و انقاذهم من الجور السياسي و الاستبداد السياسي الذي تمثل علي مسرح سياسة خصومهم من حكام الأمويين و العباسيين تلك السياسة الجائرة التي لم يتحقق فيها ظل للعدل لا قليل و لا كثير و التي قضت علي التلاعب في مقدرات المجتمع، و سلب أموال المسلمين، و صرفها بسخاء علي المجون و الدعارة و بذلها للعملاء الذين يساندونها و يضيفون اليها العدالة و الحق.

و كان الواجب الديني يحتم علي أئمة أهل البيت (ع) باعتبارهم مسؤولين عن رعاية الدين و حماية المسلمين أن يناهضوا ذلك الحكم و ينفروا في وجه الظلم، و ينقذوا المجتمع الاسلامي من الاستبداد و الجور اللذين حلا فيه، و فعلا قد قاموا بما يجب عليهم من اداء رسالتهم الانسانية و الذب عن كرامة الاسلام و حماية المسلمين.

و كان الامام موسي (ع) زعيم المعارضين لسياسة هارون، و قد ذكرنا



[ صفحه 464]



- غير مرة - موقفه السلبي تجاهه، و عمل هارون ما وسعه في ارهاق الامام و الانتقام منه اعتقله في سجونه و حجبه عن شيعته، و قضي زمنا طويلا في السجون حتي لفظ انفاسه الأخيرة فيها و هو غريب شهيد عاني امر الآلام و ادهي الخطوب، و نقدم عرضا شاملا - حسب تتبعنا لبيان ما جري عليه في ظلمات السجون».