بازگشت

اطلاق سراحه


و استجاب الله دعاء العبد الصالح فانقذه من سجن الطاغية هارون و أطلقه في غلس الليل، و ذلك بسبب رؤيا رآها، فحدث عبدالله بن مالك الخزاعي، و كان علي دار الرشيد و شرطته، قال: أتاني رسول الرشيد في ما جائني فيه قط، فانتزعني من موضعي، و منعني من تغيير ثيابي، فراعني ذلك، فلما صرت الي الدار سبقني الخادم، فعرف الرشيد خبري، فأذن لي في الدخول، فدخلت، فوجدته جالسا علي فراشه، فسلمت، فسكت ساعة، فطار عقلي، و تضاعف جزعي، ثم قال لي:

- يا عبدالله، أتدري لم طلبتك في هذا الوقت؟

- لا والله يا أميرالمؤمنين.

- اني رأيت الساعة في منامي كأن حبشيا قد أتاني، و معه حربة فقال: ان لم تخل عن موسي بن جعفر الساعة، و الا نحرتك بهذه الحربة، اذهب فخل عنه.



[ صفحه 474]



و لم يطمئن عبدالله بأمر الرشيد باطلاق سراح الامام، فقال له أطلق موسي بن جعفر؟ قال له ذلك ثلاث مرات، فقال الرشيد:

«نعم، امض الساعة حتي تطلق موسي بن جعفر، واعطه ثلاثين الف درهم، و قل له ان أحببت المقام قبلنا فلك عندي ما تحب، و ان أحببت المضي الي المدينة فالاذن في ذلك اليك».

و مضي عبدالله مسرعا الي السجن يقول: لما دخلت وثب الامام (ع) قائما، و ظن أني قد أمرت فيه بمكروه، فقلت له:

«لا تخف، قد أمرني أميرالمؤمنين باطلاقك و أن أدفع اليك ثلاثين الف درهم، و هو يقول لك: ان أحببت المقام قبلنا فلك ما تحب، و ان أحببت الانصراف فالأمر في ذلك مطلق لك، و أعطيته الثلاثين الف درهم [1] و قلت له: لقد رأيت من أمرك عجبا.

و أخذ الامام (ع) يحدثه عن السبب في اطلاق سراحه قائلا:

«بينما أنا نائم اذ أتاني رسول الله (ص) فقال لي: يا موسي، حبست مظلوما قل هذه الكلمات فانك لا تبيت هذه الليلة في الحبس، فقلت له: بأبي أنت و أمي ما أقول فقال: قل:

«يا سامع كل صوت، و يا سابق الفوت، و يا كاسي العظام لحما، و منشرها بعد الموت أسألك بأسمائك الحسني، و بأسمك الأعظم الأكبر المخزون المكنون الذي لم يطلع عليه أحد من المخلوقين، يا حليما ذا أناة لا يقوي علي اناته، يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبدا، و لا يحصي عددا، فرج عني» فكان ما تري [2] و فرج الله عن الامام، فخلي هارون سبيله، و قد مكث في



[ صفحه 475]



سجن الفضل مدة طويلة من الزمن لم يعينها لنا التاريخ.

و بقي الامام بعد اطلاق سراحه في بغداد لم ينزح عنها الي يثرب، و كان يدخل علي الرشيد في كل اسبوع مرة في في يوم الخميس [3] و كان يحتفي به اذا رآه، و قد دخل عليه يوما، و قد استولي الغضب علي هارون من أجل رجل ارتكب جرما فأمر أن يضرب ثلاثة حدود، فنهاه الامام (ع) عن ذلك و قال انما تغضب لله، فلا تغضب له اكثر مما غضب لنفسه [4] و ربما جرت بينهما بعض المناظرات، فقد دخل عليه في بعض الأيام فانبري اليه الرشيد قائلا:

أتقولون ان الخمس لكم؟

- نعم.

- انه لكثير.

- ان الذي اعطاه لنا علم أنه غير كثير [5] .

و طلب منه الرشيد في بعض اجتماعاته به في بغداد أن يكتب له كلاما موجزا يحتوي علي أصول الدين و فروعه فأجابه الامام الي ذلك، و كتب بعد البسملة هذه الرسالة:

«أمور الدنيا أمران. أمر لا اختلاف فيه، و هو اجماع الامة علي الضرورة التي يضطرون اليها، و الأخبار المجتمع عليها، المعروض عليها شبهة، و المستنبط منها كل حادثة و أمر يحتمل الشك و الانكار، و سبيل ذلك استنصاح أهل الحجة عليه فما ثبت لمنتحليه من كتاب مستجمع علي تأويله أو سنة عن النبي (ص) لا اختلاف فيها، أو قياس تعرف العقول عدله



[ صفحه 476]



ضاق علي من استوضح تلك الحجة ردها، و وجب عليه قبولها، والاقرار و الديانة بها و ما لم يثبت لمنتحليه به حجة من كتاب مستجمع علي تأويله أو سنة عن النبي (ص) لا اختلاف فيها أو قياس تعرف العقول عدله وسع خاص الامة و عامها الشك فيه، و الانكار له، كذلك هذان الأمران من أمر التوحيد فما دونه الي أرش الخدش فما دونه فهذا المعروض الذي يعرض عليه أمر الدين فما ثبت لك برهانه اصطفيته، و ما غمض عنك ضوؤه نفيته و لا قوة الا بالله، و حسبنا الله و نعم الوكيل..».

و عرض هذا الكتاب علي هارون فقال: هو كلام موجز جامع [6] .

و جرت مناظرات أخري بينهما ذكرناها في الحلقة الأولي من هذا الكتاب، و قد طلب الامام من هارون أن يسمح له بالرحيل الي يثرب لرؤية عياله و أطفاله، و ذكر المجلسي في بحاره أنه أذن له بذلك [7] و ذكر مرة اخري انه قال أنظر في ذلك و لم يجبه الي شي ء حتي حبسه عند السندي ابن شاهك [8] .

و أكبر الظن ان الرشيد فرض عليه الاقامة الجبرية في بغداد و لم يسمح له بالسفر الي وطنه، فمكث (ع) في بغداد مدة من الزمن لم يتعرض له هارون بسوء، و قد ذهب لذلك السيد مير علي الهندي فقال: «و قد حدث مرتين ان سمح الرشيد لهذا الامام الوديع بالرجوع الي الحجاز ولكن شكوكه كانت في كلتا المرتين تتغلب علي طيبة قلبه فيبقيه في الحبس» [9] .

و مهما يكن من أمر فانه في تلك الفترة قد بذل (ع) جهوده لارشاد الناس



[ صفحه 477]



و هدايتهم الي طريق الحق، فقد اهتدي بشر الحافي و تاب علي يده حتي صار من عيون الصالحين و المتقين، و ذكرنا حديثه مشفوعا بالتفصيل في الحلقة الأولي من هذا الكتاب، كما انه توسط لهارون في بعض القضايا الخاصة التي كلفه بها بعض شيعته فقضاها له.

و علي أي حال، فان التأريخ ضن بتعيين المدة التي خلي فيها عن سبيل الامام، و الذي نظن أنها فترة قصيرة، لذا لم يذكرها قسم كبير من المؤرخين، فذكروا أنه انتقل من سجن الفضل بن الربيع الي سجن الفضل ابن يحيي، و أهملوا اطلاق سراحه.


پاورقي

[1] مروج الذهب: 3 / 265، و جاء في المناقب: 2 / 370 أن الأمام (ع) رفض الهدايا و الخلع التي قدمت له.

[2] وفيات الأعيان: 4 / 394. شذرات الذهب: 1 / 304.

[3] البحار.

[4] الوسائل - باب الامر بالمعروف.

[5] البحار: 11 / 280.

[6] البحار: 11 / 270.

[7] البحار: 11 / 269.

[8] نفس المصدر.

[9] مختصر تاريخ العرب، ص 209.