عزم هارون علي قتله
و لما شاع ذكر الامام، و انتشرت فضائله و مآثره في بغداد ضاق الرشيد من ذلك، و خاف منه فعزم علي قتله، لولا أنه رأي برهانا من ربه فعفا عنه، فقد حدث الفضل قال: كنت حاجبا عند الرشيد، فأقبل علي يوما و هو غضبان و بيده سيف يقلبه فقال لي:
بقرابتي من رسول الله (ص) لئن لم تأتني بابن عمي، لأخذت الذي فيه عيناك.
فخاف الفضل و مشت الرعدة في أوصاله و قال له:
- بمن اجيئك؟
- بهذا الحجازي.
- و أي الحجازيين؟
- موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب
فخاف الفضل من الله أن يكون الشر علي يده، ولكنه فكر في نقمة
[ صفحه 478]
هارون، و بطشه به فاستجاب لأمره و طلب منه أن يحضر له سوطين، و هسارين و جلادين، فأحضر ذلك، قال: و مضيت الي منزل أبي ابراهيم فأتيت الي خربة فيها كوخ من جريد النخل، و اذا بغلام أسود، فقلت له: استئذن لي علي مولاك، يرحمك الله، فقال لي لج، فليس له حاجب، و لابواب فولجت اليه فاذا بغلام أسود بيده مقص يأخذ اللحم من جبينه و عرنين أنفه من كثرة سجوده، فسلمت عليه، و قلت:
- أجب الرشيد.
- ما للرشيد، و مالي أما تشغله نعمته عني؟!!
و وثب مسرعا، و هو يقول: لولا أني سمعت في خبر عن جدي رسول الله (ص) ان طاعة السلطان للتقية واجبة، ما جئت، و انطلق (ع) مع الفضل فقال له:
- استعد للعقوبة يا أباابراهيم.
- أليس معي من يملك الدنيا و الآخرة، و لن يقدر اليوم علي سوء بي انشاء الله.
قال الفضل: رأيت الامام و قد أدار يده يلوح بها علي رأسه الشريف ثلاث مرات، و لما وصل الفضل استقبله الرشيد و هو مذهول قد استولي عليه الخوف و الذعر فقال له يا فضل.
- لبيك
- جئتني بابن عمي؟
- نعم.
- لا تكن أزعجته؟
- لا.
- لم تعلمه أني عليه غضبان، فاني قد هيجت علي نفسي ما لم أرده
[ صفحه 479]
ائذن به بالدخول و دخل الامام (ع) فلما رآه وثب اليه قائما و عانقه، و قال له:
مرحبا بابن عمي و أخي و وارثي مالذي قطعك عن زيارتنا؟
فأجابه الامام (ع) غير معتن به قائلا:
- سعة ملكك و حبك للدنيا.
و أمر الرشيد أن يأتي بغالية، فأتي بها، فطيب الامام بيده و أمر أن يحمل بين يديه خلع و بدرتان و دنانير، فقال الامام (ع) لولا اني أري أن ازوج بها من عزاب بني أبي طالب لئلا ينقطع نسله ما قبلتها أبدا و انصرف عليه السلام و هو يقول: الحمد لله رب العالمين، و التفت هارون الي الفضل قائلا له:
«يا فضل انك لما مضيت لتجيئني به رأيت أقواما قد احدقوا بداري بأيديهم حراب قد غرسوها في أصل الدار يقولون ان آذي ابن رسول الله خسفنا به و بداره الأرض و ان أحسن اليه انصرفنا عنه و تركناه.
و انطلق الفضل مسرعا نحو الامام قائلا له:
- ما لذي قلت حتي كفيت أمر الرشيد؟
- دعاء جدي علي بن أبي طالب (ع) كان اذا دعا به ما برز الي عسكر الا هزمه و لا الي فارس الا قهره، و هو دعاء كفاية البلاء و هو:
«اللهم بك أساور و بك أحاول و بك أجاور و بك أصول و بك أنتصر و بك أموت و بك أحيي أسلمت نفسي اليك و فوضت أمري اليك و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم اللهم انك خلقتني و رزقتني و سترتني عن العباد بلطف ما خولتني اغنيتني، فاذا هويت رددتني، و اذا عثرت قومتني و اذا مرضت شفيتني و اذا دعوت أجبتني يا سيدي: ارض عني فقد ارضيتني» [1] .
[ صفحه 480]
ولكن هارون لم يؤمن بما يراه من الآيات و المعجزات التي ظهرت للامام (ع) فقد أعماه حب الملك و السلطان الي الاصرار علي الجريمة و التنكيل بالامام (ع).
پاورقي
[1] عيون الأخبار، البحار.