بازگشت

التنكيل بالفضل


و انطلق بعض الأوغاد الي هارون، فأخبره بترفيه الفضل علي الامام (ع)



[ صفحه 481]



و لما سمع ذلك الطاغية تحرق من الغيظ و الغضب، و كان آنذاك في الرقة فأنفذ في الوقت مسرور الخادم الي بغداد ليكشف له حقيقة الحال، فان كان الأمر علي ما بلغه مضي الي العباس بن محمد و أوصله رسالة يأمره فيها بجلد الفضل، و كذلك أمره بالوصول الي السندي بن شاهك مدير شرطته ليكون منفذا لأوامره.

و قدم مسرور الي بغداد فنزل دار الفضل بن يحيي لا يدري أحد ما يريده، ثم دخل علي الامام موسي (ع) فوجده مرفها عليه كما بلغ الرشيد فمضي من فوره الي العباس و أمره بتنفيذ أمر الرشيد، و كذلك سار الي السندي فأمره باطاعة العباس، و أرسل العباس بالفور الشرطة الي الفضل فأخرجوه من داره و هو يهرول و الناس من حوله، فدخل علي العباس فأمر بتجريده، ثم ضربه مائة سوط.

و خرج الفضل متغيرا، قد انهارت قواه و أعصابه، فجعل يسلم علي الناس يمينا و شمالا و هو لا يشعر بذلك.

و كتب مسرور الي الرشيد بما فعله، فأمره بأخذ الامام (ع) و اعتقاله عند السندي بن شاهك، و جلس الرشيد مجلسا حافلا ضم جمهورا غفيرا من الناس، فرفع صوته قائلا:

أيها الناس، ان الفضل بن يحيي قد عصاني، و خالف طاعتي، و رأيت أن ألعنه فالعنوه».

فارتفعت الأصوات من جميع جنبات الحفل باللعن و السباب و الشتم علي الفضل حتي اهتزت الأرض من أصوات اللعن.

و بلغ يحيي بن خالد ذلك فأسرع الي الرشيد فدخل عليه من غير الباب الذي يدخل منه الناس، حتي جاءه من خلفه فأسره قائلا:

«يا أميرالمؤمنين، ان الفضل حدث، و أنا أكفيك ما تريد»

فسر الرشيد بذلك، و ظهر السرور علي وجههه، و ذهب عن نفسه



[ صفحه 482]



ما يحمله من الحقد علي الفضل، فأراد يحيي أن يستعيد كيان ولده و يرد له كرامته، فقال للرشيد:

«يا أميرالمؤمنين، قد غضضت من الفضل بلعنك اياه، فشرفه بازالة ذلك».

و أقبل هارون بوجهه علي الناس، فرفع عقيرته قائلا:

«ان الفضل قد عصاني في شي ء فلعنته، و قد تاب و أناب الي طاعتي فتولوه».

و ارتفعت الأصوات من جميع جنبات الحفل و هي تعلن التأييد الشامل لتلك السياسة المتناقضة و هي ذات لهجة واحدة أعلنها اولئك الناس الذين لا يؤمنون بالقيم و لا بالمثل العليا قائلين:

«يا أميرالمؤمنين، نحن أولياء من واليت و أعداء من عاديت، و قد توليناه» [1] .

و دلت هذه البادرة علي ما منيت به الجماهير الاسلامية في ذلك العصر من فقدان الوعي و الانحراف عن المبادي ء الأصيلة، و لو كان عندهم أي شعور ديني لما سجن الامام، و ما نكل به و يعود السبب في ذلك كله الي عبث السياسة الملتوية في الأوساط الاجتماعية و نشرها الفساد و التسيب في ربوع ذلك المجتمع حتي كان من نتائجه مواقفه المذمومة التي لا يحمد عليها بحال، كما كشفت لنا هذه البادرة مدي الحقد و الكراهية التي يكنها هارون في نفسه للامام (ع) فقد نكل بالفضل و هو أعز الناس عنده و أقربهم اليه و أعلن سبه و شتمه لأنه رفه علي الامام و لم يضيق عليه في مأكله و مشربه أما المدة التي قضاها (ع) في سجن الفضل فكانت قصيرة للغاية، و ذكر الرواة أنها كانت أياما.

و قبل أن ننهي المطاف عن هذا الفصل نود التنبيه الي انه قد شاع ان الامام سجن في واسط سنة كاملة، ولكن المصادر التي بأيدينا لم تنص علي ذلك، و لعله ذكر و لم نعثر عليه.



[ صفحه 485]




پاورقي

[1] مقاتل الطالبيين: ص 503 - 504.