الزرادشتية
من المبادي ء الالحادية التي ظهرت في العصر العباسي «الزرادشتية» و هي تقول بوجود الهين، اله للخير، و اله للشر، و قد تحدث عن بعض مبادئهم الخربوطلي يقول: و جوهر مبادي ء زرادشت ان في العالم حوادث كثيرة متنوعة فمنها الخير، و منها الشر، و هذه الحوادث لا توجد نفسها بل لابد لها من أصل تستند عليه. و يري زرادشت استحالة نسبة الخير و الشر الي أصل واحد. و لهذا كان من الضروري عنده لتفسير ما يجري في العالم الايمان بوجود قوتين متضادتين مختلفتين، فواحدة طاهرة و مقدسة، تفيض عنها الحياة و العناصر الطيبة، و الاخري خبيثة دنسة، تصدر عنها الآفات و الهلاك و التدمير، و كل ما ينزل بالانسان من شر و بلاء. فالأولي تسمي «اهريمان» و معناه اله الشر أو الشيطان، الثانية «مزاد» و معناه اله الخير و النور [1] .
و يري زرادشت ان الروح لا تفني، و انها تنعم أو تشقي بلذائذ الحياة
[ صفحه 131]
و ان محنتها ثلاثة أيام بعد الموت، و بعد ذلك تحملها الرياح حتي تصل الي الصراط و تحاكم هناك ثلاثة أيام و الارواح الخيرة تمضي الي الجنة و الأرواح الشريرة تساق الي النار.
و قد راجت الزرادشتية في العصر العباسي الأول، و اعتنقها خلق من البسطاء المغرر بهم، و قد عملت علي محاربة القيم الاسلامية، و تفكيك الروابط الاجتماعية، و تحلل المسلمين من الخلق و الآداب الاسلامية.
و علي أي حال فان هذه المبادي ء التي انتشرت في العصر العباسي تكشف لنا بوضوح عن الفراغ العقائدي، و ضحالة التفكير، و سيادة الجهل، و عدم احاطة المسلمين بواقع دينهم الذي يدعو الي اليقظة الفكرية، و التحرر من جميع رواسب الجهل و الجمود.
و قد ظهرت البدع و الاضاليل في ذلك العصر بصورة تدعو الي الدهشة و الاستغراب فقد حدثت الراوندية التي زعمت ان المنصور الدوانيقي ربهم الذي يطعمهم و يسقيهم [2] كما ظهرت بدعة المقنع الخراساني الذي نادي بتناسخ الأرواح و ادعي الألوهية، فزعم أن الله خلق آدم فتحول في صورته، و من بعده الي صورة نوح ثم الي ابراهيم، و منه الي صورة الأنبياء ثم في صورة النبي محمد (ص) ثم تحول الي صورة الامام علي بن أبي طالب (ع) و من بعده الي أولاده ثم الي صورة أبي مسلم الخراساني، و انتقل من بعده اليه، و طلب من أنصاره أن يعبدوه و يسجدوا له [3] و قد اسقط عن أتباعه الصلاة و الصوم و الزكاة، و أباح لهم النساء [4] .
و كان المقنع ماهرا في الهندسة، فقد اظهر للناس قمرا يطلع و يراه
[ صفحه 132]
الناس علي مسيرة شهر ثم يأفل، و قد أغري الناس بذلك، و يقول ابوالعلاء المعري عن زيف ذلك القمر:
افق انما البدر المقنع رأسه
ضلال و غي مثل بدر المقنع
و علي أي حال فان هذه الحركات الهدامة قد أدت الي تفكك المجتمع الاسلامي و اضطراب الحركة الفكرية فيه.
پاورقي
[1] المجوس و المجوسية: ص 149.
[2] الطبري 6 / 147.
[3] الطبري 6 / 367.
[4] وفيات الأعيان 1 / 453.