دعاة الالحاد
و استندت الدعوة الي الالحاد، و سائر المبادي ء الهدامة - في ذلك العصر - الي جماعة كانوا مغمورين في انسابهم، و مصابين بعاهات نفسية، و كان من أشهرهم يزدان بن باذان الذي عرف بالكفر و الزندقة، سافر الي بيت الله الحرام أيام موسم الحج فنظر الي الناس يهرولون في الطواف، فقال: «ما أشبههم ببقر تدوس في البيدر» و أثار ذلك موجات من الغضب و الاستياء في نفوس الاخيار و المتحرجين في دينهم، فقد اندفع العلاء بن الحداد يخاطب الخليفة موسي الهادي، و يحفزه علي قتله، يقول له:
أيا أمين الله في خلقه
و وارث الكعبة و المنبر
ماذا تري في رجل كافر
يشبه الكعبة بالبيدر
و يجعل الناس اذا ما سعوا
حمرا تدوس البر و الدوسر
فأمر موسي الهادي بقتله و صلبه [1] .
و منهم بشار بن برد فقد تمادي في الدعوة الي الكفر، و كان يدعو الي عبادة النار و قد أعلن ذلك بقوله:
ابليس أفضل من أبيكم آدم
فتبينوا يا معشر الأشرار
[ صفحه 133]
النار عنصره و آدم طينة
و الطين لا يسمو سمو النار
و الأرض مظلمة و النار مشرقة
و النار معبودة مذ كانت النار [2] .
و بقي مصرا علي عقيدته، و قتل من أجلها [3] .
و منهم صالح بن عبد القدوس، و كان من كبار الزنادقة، و حكم عليه المهدي بالاعدام، فأعلن توبته، و كاد المهدي ان يطلق سراحه الا انه سمعه ينشد:
ما يبلغ الاعداء من جاهل
يا مبلغ الجاهل من نفسه
و الشيخ لا يترك أخلاقه
حتي يواري في ثري رمسه
فلما سمع المهدي البيت الأخير أمر بقتله، و قال له: أنت لا تدع أخلاقك حتي تموت [4] .
و من اعلامهم الحمادون الثلاثة: حماد عجرد، و حماد الرواية، و حماد الزبارقان، و منهم ابن المقفع، و يونس بن أبي فروة، و مطيع بن أياس، و عبدالكريم بن أبي العوجاء، و علي بن الخليل، و يحيي بن زياد الحارثي، و قد أثبت المترجمون لهم بوادر كثيرة من بدعهم و أضاليلهم دلت علي كفرهم و مروقهم من الدين [5] .
و علي أي حال فقد عمد هؤلاء الملحدون الي افساد المجتمع الاسلامي و اشاعة الفوضي و التحلل بين المسلمين، كما عمدوا الي تشويه الاسلام، و ذلك بافتعال الاخبار الكاذبة التي تحط من كرامة الاسلام، و قد اعترف عبدالكريم ابن أبي العوجاء بذلك فقد صرح قبل أن ينفذ فيه حكم الاعدام فقال:
[ صفحه 134]
«لئن قتلتموني فلقد وضعت في أحاديثكم أربعة آلاف حديث مكذوب»
و عملوا علي افساد الأدب العربي و تشويهه، و قد قام بذلك خلف الأحمر، و حماد الراوية، و يقول عنه السيد المرتضي: «ان حماد مشهور بالكذب في الرواية، و عمل الشعر و اضافته الي الشعراء المتقدمين و دسه في أشعارهم حتي أن كثيرا من الرواة قالوا: قد أفسد حماد الشعر لأنه كان رجلا يقدر علي صنعته، فيدس في شعر كل رجل منهم ما يشاكل طريقته فاختلط لذلك الصحيح بالسقيم...» [6] .
و هكذا استهدفوا افساد الدين و اللغة و سائر مقومات الأمة العربية و الاسلامية، و وقف المد الاسلامي من الانتشار في ربوع العالم.
پاورقي
[1] الطبري 10 / 15.
[2] الاغاني 3 / 24.
[3] أبوالفداء ذكره في حوادث سنة (166 ه).
[4] تأريخ الخلفاء: ص 275.
[5] أمالي المرتضي، الأغاني.
[6] الامالي 1 / 132.