بازگشت

الامام ينعي نفسه


و لما علم الامام موسي (ع) ان لقاءه بربه لقريب نعي نفسه لبعض شيعته، و عزاهم بمصيبته، و أوصاهم بالتمسك بالعروة الوثقي من آل محمد صلي الله عليه و آله، و ذلك في جوابه عن المسائل التي بعثها علي بن سويد فقد حدث أنه بعث له حينما كان في السجن ببعض المسائل يسأله عنها، فتأخر الجواب عنه اشهرا، و بعد ذلك أجابه بهذا الجواب، و قد جاء فيه بعد البسملة ما نصه:

«الحمد لله العلي العظيم الذي بعظمته و نوره أبصر قلوب المؤمنين و بعظمته و نوره عاداه الجاهلون، و بعظمته و نوره ابتغي من في السماوات و الأرض اليه الوسيلة بالأعمال المختلفة و الأديان المتضادة، فمصيب و مخطي ء و ضال و مهتدي، و سميع و أصم، و بصير و أعمي، حيران فالحمد لله الذي عرف و وصف دينه محمد (ص).

أما بعد: فانك امرؤ أنزلك الله من آل محمد بمنزلة خاصة، و حفظ مودة ما استرعاك من دينه، و ما ألهمك من رشدك، و بصرك من أمر دينك بتفضيلك اياهم و بردك الأمور اليهم، كتبت الي تسألني عن أمور كنت منها في تقية و من كتمانها في سعة فلما انقضي سلطان الجبابرة و جاء سلطان ذي السلطان العظيم بفراق الدنيا المذمومة الي أهلها العتاة علي خالقهم رأيت أن أفسر لك ما سألتني عنه مخافة أن تدخل الحيرة علي ضعاف شيعتنا من قبل جهالهم، فاتق الله عز ذكره، و خص بذلك الأمر أهله و احذر أن تكون سبب بلية علي الأوصياء أو حارشا عليهم [1] بافشاء ما استودعتك، و اظهار ما استكتمتك



[ صفحه 506]



و ان تفعل ان شاء الله.

ان أول ما أنهي اليك اني أنعي اليك نفسي في ليالي هذه غير جازع و لا نادم و لا شاك فبما هو كائن مما قد قضي الله عزوجل و ختم، فاستمسك بعروة الدين، آل محمد و العروة الوثقي الوصي بعد الوصي، و المسالمة لهم و الرضا بما قالوا: و لا تلتمس دين من ليس من شيعتك، و لا تحبن دينهم فانهم الخائنون الذين خانوا الله و رسوله و خانوا أمانتهم، أو تدري ما خانوا أمانتهم؟ أئتمنوا علي كتاب الله فحرفوه و بدلوه و دلوا علي ولاة الأمر منهم فانصرفوا عنه فأذاقهم الله لباس الجوع و الخوف بما كانوا يصنعون، و سألت عن رجلين اغتصبا رجلا مالا كان ينفقه علي الفقراء و المساكين و أبناء السبيل و في سبيل الله فلما اغتصباه ذلك لم يرضيا حيث غصباه حتي حملاه اياه كرها فوق رقبته الي منازلهما فلما أحرزاه توليا انفاقه أيبلغان بذلك كفرا؟ فلعمري لقد نافقا قبل ذلك وردا علي الله عزوجل كلامه و هزئا برسوله (ص) و هما الكافران عليهما لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين، و الله ما دخل قلب أحد منهما شي ء من الايمان منذ خروجهما من حالتيهما، و ما زادا الا شكا، كانا خداعين مرتابين منافقين حتي توفتهما ملائكة العذاب الي محل الخزي في دار المقام.

و سألت عمن حضر ذلك الرجل و هو يغصب ماله و يوضع علي رقبته منهم عارف و منكر فاولئك أهل الردة الأولي من هذه الامة فعليهم لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين.

و سألت عن مبلغ علمنا، و هو علي ثلاثة وجوه ماض و غابر و حادث فأما الماضي فمفسر و اما الغابر فمزبور [2] و اما الحادث فقذف في القلوب و نقر في الأسماع و هو أفضل علمنا، و لا نبي بعد نبينا محمد (ص) و سألت



[ صفحه 507]



عن امهات أولادهم و عن نكاحهم و عن طلاقهم، فأما امهات أولادهم فهن عواهر الي يوم القيامة نكاح بغير ولي و طلاق في غير عدة، و أما من دخل في دعوتنا فقد هدم ايمانه ضلاله و يقينه شكه، و سألت عن الزكاة فيهم فما كان من الزكاة فانتم أحق به لأنا قد أحللنا ذلك لكم من كان منكم و أين كان.

و سألت عن الضعفاء فالضعيف من لم يرفع اليه حجة، و لم يعرف الاختلاف، فاذا عرف الاختلاف فليس بضعيف، و سألت عن الشهادة لهم، فاقم الشهادة لله عزوجل و لو علي نفسك و الوالدين و الأقربين فيما بينك و بينهم فان خفت علي اخيك ضيما فلا وادع الي شرائط الله عز ذكره من رجوت اجابته و لا تحصن بحصن رياء [3] .

و وال آل محمد و لا تقل لما بلغك عنا و نسب الينا هذا باطلا و ان كنت تعرف منا خلافه فانك لا تدري لما قلناه و علي أي وجه و ضعناه، آمن بما أخبرك، و لا تفش بما استكتمناك من خبرك، ان من واجب حق أخيك أن لا تكتمه شيئا تنفعه به لأمر دنياه و آخرته و لا تحقد عليه و ان أساء و أجب دعوته اذا دعاك و لا تخل بينه و بين عدوه من الناس و ان كان أقرب اليه منك وعده في مرضه، ليس من أخلاق المؤمن الغش و لا الأذي، و لا الخيانة و لا الكبر و لا الخنا و لا الفحش و لا الأمر به، فاذا رأيت المشوه الأعرابي في جحفل جرار فانتظر فرجك و لشيعتك المؤمنين، و اذا انكسفت الشمس فارفع بصرك الي السماء و انظر ما فعل الله بالمجرمين، فقد فسرت لك جملا مجملا، و صلي الله علي محمد و آله الأخيار..» [4] .



[ صفحه 508]



و قد احتوت هذه الرسالة علي أمور خطيرة، قد ذكرت بالتفصيل في «مرآة العقول».


پاورقي

[1] التحريش: هو اغراء بعض القوم ببعض.

[2] في بعض النسخ: فمرموز.

[3] في بعض النسخ «و لا تحضر حصن زنا».

[4] روضة الكافي: ص 124 - 126.