بازگشت

قيام سليمان بتجهيزه


و انبري سليمان بن أبي جعفر المنصور [1] فتولي تجهيز الامام و تشييعه فقد كان قصره مطلا علي نهر دجلة، فسمع الصياح و الضوضاء و رأي بغداد قد ماجت و اضطربت فهاله ذلك، فالتفت الي ولده و غلمانه قائلا:

«ما الخبر؟»

فقالوا له: هذا السندي بن شاهك ينادي علي موسي بن جعفر، و أخبروه بذلك النداء القاسي الفظيع.

فثارت عواطفه، و تغير حاله، و استولت عليه موجة من الغيظ،



[ صفحه 525]



فصاح بولده قائلا:

«انزلوا مع غلمانكم فخذوه من أيديهم، فان مانعوكم فاضربوهم، و خرقوا ما عليهم من سواد - و هو لباس الشرطة و الجيش -.

و انطلق أبناء سليمان و غلمانه مسرعين الي الشرطة فأخذوا جثمان الامام منهم، و لم تبد الشرطة معهم أية معارضة، فسليمان عم الخليفة، و أهم شخصية لامعة في الاسرة العباسية، و أمره مطاع عند الجميع، و حمل الغلمان نعش الامام فجاؤا به الي سليمان، فأمر بالوقت أن ينادي في شوارع بغداد بنداء معاكس لنداء السندي، فانطلق غلمانه رافعين أصواتهم بهذا النداء:

«ألا من أراد أن يحضر جنازة الطيب ابن الطيب موسي بن جعفر فليحضر» [2] .

و خرج الناس علي اختلاف طبقاتهم لتشييع جثمان امام المسلمين و سيد المتقين، و خرجت الشيعة و هي تذرف الدموع، و تلطم الصدور قد استولي عليها الأسي و الحزن، ففرح عنها سليمان الكروب، و كشف عنها الآلام اما الاسباب التي حفزت سليمان لقيامه بمواراة الامام و تشييعه بذلك التشييع الحافل الذي لم تشاهد بغداد نظيرا له فهي:


پاورقي

[1] سليمان بن أبي جعفر المنصور، امه فاطمة بنت محمد من ولد طلحة ابن عبدالله التيمي كما في تأريخ ابن كثير: 10 / 28 كان أميرا علي دمشق من قبل الرشيد، و وليها من قبل الأمين مرتين و ولي امرة البصرة مرتين، و لما ولي أمر دمشق قال لابراهيم بن المهدي: «خلا لك الجو فبيصي واصفري» فقال له ابراهيم: لك و الله خلا الجو لأنك تقعد في صدر مجلسك و تأكل اذا اشتهيت ليس من هو يأكل علي شبع ويلف علي جوع و يخدم علي كسل جاء ذلك في تأريخ ابن عساكر: 6 / 279، و قد نظم الصفدي في ارجوزته تولية سليمان لامرة دمشق بقوله:



ثم سليمان بن عبدالله

من ذا له في مجده يباهي



أخرج منها خائفا ما عقبا

فر من السفيان اذ توثبا



و قد وليها بعد للامين

في مرتين فاستمع تبييني



جاءت هذه الأبيات في امراء دمشق: ص 123، و جاء في تأريخ بغداد: 9 / 24 انه توفي سنة» 199 ه».

[2] البحار، عيون اخبار الرضا، و جاء في مناقب ابن شهرآشوب: 2 / 386 ان سليمان كان في دهليزه في يوم ممطر اذ مرت به جنازته (ع) فقالوا: سلوا هذه جنازة من؟ فقيل هذا موسي بن جعفر مات في الحبس قد امر الرشيد أن يدفن بحاله، فقال سليمان: موسي بن جعفر يدفن هكذا؟ فان في الدنيا من كان يخاف علي الملك في الآخرة لا يوفي حقه؟.