بازگشت

ابطاله لحركة الله


جاء في بعض الروايات من طرق العامة أن الله سبحانه ينزل في الثلث الأخير من الليل فينادي في السماء:

«هل من داع؟ هل من مستغفر».

و المجسمون يحملون هذه الاخبار علي ظواهرها من دون تأويل أو نظر في سندها، واثبتوا ان الله تعالي له جسم، و قد عرض ذلك علي الامام (ع) فبين فساد ذلك، قال (ع):

«ان الله لا ينزل، و لا يحتاج الي أن ينزل، انما منظره في القرب و البعد سواء [1] لم يبعد منه قريب و لم يقرب منه بعيد، و لم يحتج الي



[ صفحه 146]



شي ء بل يحتاج اليه و هو ذوالطول [2] لا اله الا هو العزيز الحكيم.

أما قول الواصفين: انه ينزل تبارك و تعالي فانما يقول بذلك من ينسبه الي نقص أو زيادة [3] و كل متحرك يحتاج الي من يحركه أو يتحرك به [4] .



[ صفحه 147]



فمن ظن بالله الظنون فقد هلك [5] فاحذروا في صفاته من أن تقفوا له علي حد تحدونه بنقص او زيادة أو تحريك أو تحرك أو زوال أو استنزال أو نهوض أو قعود، فان الله جل و عز عن صفة الواصفين و نعت الناعتين، و توهم المتوهمين، و توكل علي العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم، و تقلبك في الساجدين...» [6] .

و تحدث عليه السلام مع أصحابه عن نفي الحركة عن الله تعالي فقال:

«لا اقول: انه قائم فأزيله عن مكانه، و لا أجده بمكان يكون فيه و لا احده أن يتحرك في شي ء من الاركان و الجوارح، و لا أحده بلفظ شق فم، ولكن كما قال الله تبارك و تعالي: «كن فيكون» بمشيئته من غير تردد في نفس، صمدا فردا، لم يحتج الي شريك يذكر له ملكه، و لا يفتح له أبواب علمه» [7] .

اراد (ع) انه لا يصف الله تعالي بالقيام بالمعني الذي يقول به اللغويون كي يلزم زواله عن المكان الذي كان به قبل قيامه، و أيضا لا يصفه بالكون في مكان ليلزم منه كونه جسما محدودا، و لا يصفه أيضا بالحركة بكله او بالحركة التي تكون للجوارح فان ذلك يلزم منه التغيير و الحاجة الي الغير تعالي الله عن جميع ذلك، و بين (ع) كيفية صنعه للاشياء بأن ذلك ليس بلفظ شق فم اللافظ عند تكلمه بل انما أمره اذا أراد شيئا أن يقول له: كن فيكون، و هو تعالي يفعل ما يريد بنفس مشيئته عن غير استعمال آلة



[ صفحه 148]



أو جارحة، و من غير تردد و تفكر، لا يفتقر في ايجاده للاشياء الي شريك يعينه و لا وزير يدبر له أمره، و يستعين به أو يذكر له ملكه و سلطانه.


پاورقي

[1] المراد: انه تعالي منزه عن الحركة و الانتقال لأن الذي يتصف بالحركة هو الممكن فان نسبته الي الامكنة ليست نسبة واحدة، فاذا حضر في مكان غاب عنه الآخر، و اذا قرب من شي ء بعد عن الشي ء الآخر، و اذا تعلق له غرض بمكان لابد له من الحركة و الانتقال اليه لايجاد غرضه، و جميع ذلك بالنسبة اليه تعالي محال، فان نسبته الي جميع الامكنة والامكانيات نسبة واحدة، و ليس شي ء منها أقرب اليه من شي ء آخر فلذا لم يحتج الي الحركة، فان منظره في القرب و البعد سواء.

[2] ان كل شي ء محتاج الي الله تعالي فهو الذي يفيض عليه الوجود ولو احتاج تعالي الي شي ء لزم افتقار الشي ء الي ما يفتقر اليه من حيثية واحدة و ذلك محال لاستلزامه الدور المجمع علي بطلانه.

[3] أشار عليه السلام الي المفاسد التي تترتب علي القول بنزوله تعالي من السماء فان ذلك يستلزم الحركة، و كل من يتحرك سواء أكانت الحركة في الأين ام في غيره فانها توجب الخروج من النقص الي الكمال أو الي الزيادة و هي الخروج من القوة الي الفعل، و كل ما يوصف بنقص أو زيادة ففي ذاته امكان للانفعال من غيره، و لازمه تركب الذات من القوة و الفعل - حسب ما نص عليه الفلاسفة - و كل مركب فهو ممكن الوجود محتاج الي غيره، و لازمه أن يكون تعالي ممكن الوجود، و هو محال حسب ما دلل عليه في البحوث الفلسفية.

[4] اشار عليه السلام الي حجة اخري علي بطلان من زعم بنزوله تعالي من السماء فان ذلك يلزم منه الحركة، و كل متحرك لابد له من محرك سواء أكان مباينا له كالحركات النفسية و هي المعبر عنها بقوله: «من يحركه» ام مقارنا له كالحركات الطبيعية، و قد عبر عنها (ع) بقوله «او يتحرك به» و الحركة صفة حادثة، و هي باعتبارها وصفا تحتاج الي قابل، و باعتبار حدوثها تحتاج الي فاعل، و لابد أن يكون فاعلها غير القابل اذ لا يعقل ان يكون ذلك، فكل متحرك يحتاج الي محرك يغايره و المغاير ايضا يحتاج الي محرك و هكذا فيلزم منه التسلسل المجمع علي بطلانه.

[5] حذر عليه السلام من الظنون الفاسدة فانها توجب الهلكة و المروق من الدين فانه تعالي منزه عن تلك الآراء الفاسدة التي يعرف زيغها من كان له ادني المام من العلم و المعرفة.

[6] اصول الكافي 1 / 125.

[7] أصول الكافي: 1 / 125.