بازگشت

سياسة الحكم العباسي


كان الحكم العباسي في اكثر أدواره قائما علي الظلم و الجور فلا ظل فيه للعدل السياسي و العدل و الاجتماعي، فقد نهج العباسيون في حكمهم منهجا فرديا خالصا، قد تسلموا جميع السلطات الادارية و القضائية، و لم يكن ثمة مجلس اداري أو استشاري تعالج فيه شؤون الرعية، و سائر مصالحها، و وسائل تطورها و تقدمها، فقد كان طابع الحكم استبداديا، يحكم الخليفة بحسب رأيه و هواه فهو ظل الله في الأرض - كما يقولون - و اذا بهذا الظل يمعن في الاستبداد و نهب الاموال، و مصادرة الحريات، و ارغام الناس علي ما يكرهون.

لقد كان الحكم العباسي في اكثر فترات تأريخه يضارع الحكم الأموي في مادته و صورته، يقول «ليثفي ديللا فيدا»: ان النظام الاداري الذي



[ صفحه 162]



جري عليه العباسيون هو في جوهره نظام الامويين [1] .

و قد أجحفت الدوائر الرسمية في حقوق العامة في حين كانت تصانع الوجوه و الرؤساء و ذوي النفوذ، يقول أمين الريحاني: «و كانت الدوائر تدور كلها لا علي الباغين - الظالمين و السفاحين - بل علي الاهالي المساكين، علي اولئك الذين يدفعون الضرائب و يلبون الدعوة للجهاد [2] علي هؤلاء كان الظلم و الجور فقد هان أمرهم عند اولئك الحكام الذين استأثروا في توزيع الخير و الشر علي من يحبون و يكرهون، فأنفقوا أموال الشعوب الاسلامية البائسة علي شهواتهم و علي من يسير في ركابهم فقد يعجب احدهم ببيت من الغناء فيهب الثراء العريض، و قد يكره، كلمة من مصلح فيهدر الدم و يصادر الأموال، فقد كان المعتضد العباسي اذا غضب علي قائد امر بالقائه في حفرة و ردم عليه [3] ، و عرف الكثيرون منهم بالبطش و البغي و سفك الدماء.

و وصف العتابي حالة الحكم القائم عندما سئل: لم لا تتقرب بأدبك الي السلطان؟ فقال: «اني رأيته يعطي عشرة آلاف في غير شي ء و يرمي من السور في غير شي ء، و لا أدري أي الرجلين أكون!!» [4] .

و دعي محمد بن الحارث الي الواثق في يوم لم يكن يدعي فيه فقال: «داخلني فزع شديد، و خفت أن يكون ساع قد سعي بي، أو بلية قد حدثت في رأي الخليفة علي فنقدمت بما أراد» [5] .



[ صفحه 163]



و لما قتل المأمون وزيره الفضل بن سهل، عرض الوزارة علي أحمد ابن أبي خالد فأبي أن يقبلها و قال: «لم أر أحدا تعرض للوزارة و سلمت حاله» [6] و السبب في ذلك أن الحكم لم يكن جاريا علي قانون أو دستور معين، بل كان كيفيا حسب ما يتفق مع ميول الخليفه، فهو يوزع الموت و الحياة علي من كره و أحب.

و كانت الأحكام بالاعدام تصدر من البلاط بالجملة بمجرد الوشاية، من غير أو يطمئن أو يوثق بقول المخبر بذلك. فقد و شي برجل يقال له (الفضيل بن عمران) الي أبي جعفر المنصور، و كان كاتبا لابنه جعفر و وليا لأمره، فقد و شي به أنه يعبث بجعفر، فبعث المنصور برجلين، و أمرهما بقتل الفضيل حيث وجداه، و كتب الي جعفر يعلمه ما أمرهما به و قال للرجلين: لاتدفعا الكتاب الي جعفر حتي تفرغا من قتله. فلما انتهيا اليه ضربا عنقه، و كان الفضيل عفيفا صالحا، فقيل للمنصور انه أبرأ الناس مما رمي به، و قد عجلت عليه، فندم علي ذلك، و وجه رسولا، و جعل له عشرة آلاف درهم ان ادركه قبل أن يقتل، فقدم الرسول فوجده جثة هامدة، فاستنكر جعفر ذلك، و قال لمولاه:

«ما يقول أميرالمؤمنين في قتل رجل، عفيف، دين، مسلم بلا جرم و لا جناية؟!!»

فأجابه سويد:

«هو أميرالمؤمنين يفعل ما يشاء، و هو أعلم بما يصنع».

و هكذا كانت ارواح الناس و دماؤهم يتصرفون فيها حسب ماشاؤا، فالملك يفعل ما يصنع فهو ظل الله في الارض لا يسأل عن ذنب و لا جرم.

لقد كانت البلاد الاسلامية أيام الحكم العباسي ترزح تحت كابوس



[ صفحه 164]



ثقيل من الظلم و الجور، فقد عمد العباسيون الي استعمال العنف في تنفيذ خططهم، و لأول مرة في تأريخ الاسلام صار النطع الي جانب كرسي الخلافة، و اتخذ منه و من الجلاد اداة لتوطيد الوصول الي العرش، كما يقول فيلب حتي.

علي هذا الاساس كان الحكم العباسي في اكثر ادواره و عهوده، فلم يخضع لمنطق الحق و العدل، و انما كان خاضعا للاهواء و العواطف، فالغلمان و النساء و العابثون من الندماء كان لهم الضلع الكبير في ادارة شؤون الحكم و توزيع الهبات و الارزاق، أو الحرمان، و لم يكن ذلك كله مستندا الي شريعة الله، و انما كان مبعثه الرغبات الشخصية التي هي أبعد ما تكون عن منطق العدل.


پاورقي

[1] العصر العباسي الأول ص 45.

[2] النكبات.

[3] تأريخ الاسلام 3 / 18.

[4] المستطرف: 1 / 112.

[5] الاغاني: 3 / 215.

[6] طيفور:ص 215.