الثورة علي الظلم
و حفل تأريخ الشيعة بالنضال المرير، و الثورات الصاخبة علي حكام الظلم و الجور فقد انطلقوا الي ساحات الجهاد المشرق منذ فجر تأريخهم، و رفعوا شعار العدالة الاسلامية، و طالبوا الحكام بتحقيقها علي مسرح الحياة كما ناهضوا الظلم الاجتماعي بجميع أشكاله و ألوانه، فكانت - بحق - الينبوع الفياض الذي جرت منه الثورة ضد الطغاة و المستبدين.
لقد انطلقت الدعوة الاولي الي الاصلاح الشامل من رجال الشيعة في تلك الفترات العصيبة التي ساد فيها الارهاب رعم فيها الجور، فمن تكلم بالاصلاح او دعا اليه، سيق الي السجون، و لكن أئمة الشيعة و اعلامهم اندفعوا الي ميدان الشرف و التضحية، فنددوا بأعمال الظالمين و شجبوا تصرفاتهم و قاموا بثورات صاخبة سجلها لهم التاريخ بمداد من الشرف و النور، و قد غذاهم بروح الثورة و التضحية في سبيل الله الامام أميرالمؤمنين (ع) زعيم العدالة الانسانية في الأرض، فهو أول زعيم مسلم ثار في وجه الطغاة و هتف بالعدالة و المساواة، و قد خلق في الفترة القصيرة - التي حكم فيها - و عيا أصيلا و ثورة في نفوس شيعته علي كل ظالم مستبد. فقد ثار حجر بن عدي و زمرته الصالحة في وجه معاوية، و ثار غيرهم من صلحاء هذه الطائفة مطالبين بالعدل الاسلامي و تطبيق أحكام القرآن، و كان أول شهيد من أئمتهم سيدالشهداء الامام الحسين (ع)، فقد نقم علي الظلم السائد في عصره و ثار في وجه الطاغية المستبد يزيد بن معاوية، و قد غير (ع) بثورته مجري
[ صفحه 178]
التأريخ و لقن الظالمين درسا رائعا خلاقا لا ينسي الي يوم الدين، و قام من بعده أحفاده و أحفاد أخيه الحسن (ع) بثورات متصلة أذهلت الظالمين و شتت شمل المستبدين و نورت الرأي العام و غذته بروح الثورة علي كل جائر مستبد.
ان الشيعة تري أن الحكم اذا لم يكن بيد أئمة أهل البيت (ع) فان الأمة تعاني الظلم و الطغيان، و لا يمكن بأي حال أن تسود فيها العدالة و المساواة الا في ظل حكمهم يقول الوردي:
«الشيعة أول من حمل الثورة الفكرية في الاسلام ضد الطغيان و في نظرياتها تكمن روح الثورة، و ان عقيدة الامامة التي آمن بها الشيعة حملتهم علي انتقاد الطبقة الحاكمة و معارضتها في جميع مراحل تاريخهم و جعلتهم يرون كل حكومة غاصبة ظالمة مهما كان نوعها الا اذا تولي أمرها امام معصوم، لذلك كانوا في ثورة مستمرة لا يهدأون و لا يفترون» [1] .
لقد أراد رجال الشيعة بثوراتهم المتصلة تطبيق العدالة الاجتماعية و القضاء علي جميع أفانين الظلم و ألوان الفساد، فلذا قدموا المزيد من التضحيات في سبيل تحقيق هذه الغاية النبيلة التي تهدف الي ازالة الحكم الفاسد من البلاد.
و انطلاقا مع هذا المبدأ الثوري، فقد حرم أئمة الشيعة التعاون مع حكام الجور و الدخول في وظائف الدولة، فقد قال الامام الصادق (ع) لأصحابه:
«ما أحب أن أعقد لهم - أي للظلمة - عقدة أو و كيت لهم وكاءا و لا مدة بقلم. ان الظلمة و أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتي يحكم الله بين العباد».
[ صفحه 179]
و قال الامام موسي (ع) لزياد بن أبي سلمة:
«يا زياد لان أسقط من شاهق فانقطع قطعة قطعة، أحب الي من أن أتولي لهم عملا أو أطأ بساط رجل منهم».
و قد حرم الأئمة (ع) المرافعة الي حكام الدول الجائرة و أفتوا ان ما يقضي به القضاة من أحكام فهي غير نافذة. و كما حذر الامام الصادق (ع) الفقهاء من الاتصال بأولئك الظالمين، فقد قال (ع):
«الفقهاء امناء الرسل، فاذا رأيتم الفقهاء قد ركنوا الي السلاطين فاتهموهم» [2] .
و قد استجابت الطبقة الخيرة في الاسلام الي نداء اهل البيت (ع) فامتنعوا من الاتصال بالحكام، و قابلوا كل من يتوظف بالاستهانة و التحقير فهذا اسماعيل بن ابراهيم القرشي لما ولي القضاء كتب اليه ابن المبارك هذه الابيات و هو يشجب فيها قبوله للقضاء:
يا جاعل العلم له بازيا
يصطاد أموال المساكين
تحتال للدنيا و لذاتها
بحيلة تذهب بالدين
فصرت مجنونا بها بعدما
كنت دواءا للمجانين
أين رواياتك فيما مضي
عن ابن عون و ابن سيرين
أين رواياتك في سردها
في ترك أبواب السلاطين
ان قلت اكرهت فذا باطل
زل حمار العلم في الطين [3] .
لقد قدمت الشيعة جميع الخدمات القيمة للاسلام و المسلمين، و رفعت منار العدالة في الارض، و انها اكثر الفرق الاسلامية انطلاقا في ميادين الجهاد في سبيل اعلاء كلمة الحق و العدل.
[ صفحه 180]
پاورقي
[1] وعاظ السلاطين: ص 293.
[2] حلية الأولياء: 3 / 194.
[3] تهذيب التهذيب: 1 / 278.