جرأة و اقدام
و ملكت قادة الشيعة و اعلامها رصيدا قويا من الجرأة و الاقدام، فلم يتهيبوا من السلطة و لم يخضعوا لجور الحكم و قسوته فقد اندفعوا بكل بسالة و شجاعة الي اعلان كلمة الله، و شجب المنكر.
فهذا عبدالله بن عفيف الأزدي الأعمي الذي ذهب بصره و نور الله قلبه بالايمان، و قد ثار في وجه الطاغية عبيدالله بن زياد حينما خطب بعد مقتل سيدالشهداء فاظهر السب و الشتم للامام الحسين (ع)، فرد عليه عبدالله بمقالته الخالدة التي ستدور مع الفلك، ثم ترسم فيه قائلا له امام الجماهير الحاشدة في جامع الكوفة:
«انما الكذاب انت و ابوك و من استعملك و ابوه يا عبد بني علاج، اتقتلون ابناء النبيين و تصعدون علي منابر المسلمين، اين ابناء المهاجرين و الأنصار لينتقموا منك و من طاغيتك اللعين ابن اللعين - مشيرا الي يزيد و أبيه معاوية - علي لسان النبي الأمين».
و بهذا المنطق العظيم يقضي عل الظلم و يزال كابوس الشقاء و الجور من المجتمع، و تتحقق الاهداف العريضة للأمة و قد ظل زعماء الشيعة يشجبون جميع أعمال الولاة و الملوك في كثير في مراحل التأريخ، فهذا الكميت بن زيد الأسدي قابل بالهجاء المقذع ساسية الأمويين، و قارن بينهم و بين العلويين فقال:
ساسة، لا كمن يري رعية
الناس سواء و رعية الأغنام
لا كعبد المليك، أو كوليد
أو سليمان بعد أو كهشام
و هجا مرة أخري هشاما و بني مروان، فقال:
[ صفحه 181]
مصيب علي الأعداء يوم ركوبها
بما قال فيها مخطي ء حين ينزل
كلام النبيين الهداة كلامنا
و أفعال أهل الجاهلية نفعل
و خاطب الأمويين بهذا القول الجري ء:
فقل لبني أمية حيث كانوا
و ان خفت المهند و القطيعا
أجاع الله من أشبعتموه
و أشبع من بجوركم أجيعا
و اضطهده الأمويون، فسجنوه و عذبوه و نكلوا به، ولكنه ازداد تصلبا لعقيدته و ايمانا بمبدئه.
و ظهر شاعر آخر في ذلك العصر هو الفرزدق، فانتقد الامويين و جاهر في ذمهم، و دافع عن عقيدته بكل جرأة و اقدام، و من أهم مواقفه المشرفة التي لا يزال ذكرها نديا عاطرا علي ممر العصور و الأجيال مدحه للامام زين العابدين عليه السلام، و انتقاصه لهشام بن عبدالملك الذي تجاهل عن معرفة الامام، فقال له أمام الجمع الحاشد:
هذا الذي تعرف البطحاء و طأته
و البيت يعرفه و الحل و الحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم
هذا التقي النقي الطاهر العلم
و ليس قولك من هذا بضائره
العرب تعرف من انكرت و العجم
و تعرض علي هذة الجرأة لسخط الأمويين و نقمتهم، ولكنه لم يعتن بذلك، فانطلق يذكر معائبهم، فقال في هجاء هشام بن عبدالملك عندما سجنه.
يقلب رأسا لم يكن رأس سيد
و عين له حولاء باد عيوبها
و تسلط أدباء الشيعة و شعراؤهم علي انتقاص الظالمين و هجائهم، فهذا دعبل الخزاعي قد شهر ببني العباس و فضح أعمالهم، و هجاهم بعدد من قصائده التي زعزع بها كيانهم، و سبب سخط الجماهير عليهم. فقد هجا
[ صفحه 182]
الرشيد، و الأمين، و المأمون، و المعتصم، و ابراهيم بن المهدي و قد هجا المعتصم بهذا القول الموجع.
و قام امام لم يكن ذا هداية
فليس له عقل، و ليس له لب
ملوك بني العباس في الكتب سبعة
و لم يأتنا عن ثامن لهم كتب
كذلك اهل الكهف في الكهف
سبعة خيار اذا عدوا و ثامنهم كلب
و اني لأعلي كلبهم عنك رفعة
لأنك ذو ذنب و ليس له ذنب
و هكذا اندفع دعبل بوحي من عقيدته الي مخاصمة الظالمين و النقمة عليهم، فقد هجا بني العباس و ندد بهم، حتي ظل مشردا عن وطنه يطارده الرعب و الخوف، و قد قال كلمته الشهيرة: «اني أحمل خشبتي علي كتفي مند أربعين سنة، و لست اجد احدا يصلبني عليها».
ان تاريخ الشيعة حافل بالبطولات و التمرد علي الظلم، و النقمة علي الغبن الاجتماعي، و المطالبة بحقوق الجماهير، و الدفاع عن مصالح البؤساء و الضعفاء الذين سلبتهم تلك الدول الجائرة حقوقهم.