بازگشت

الكتابة علي الجدران


و نظرا للمحن الشاقة و الخطوب العسيرة التي واجهتها الشيعة في تلك الظروف السود، فقد كانوا لا يجدون سبيلا لبث آلامهم و أحزانهم، فان المراقبة الشديدة و التتبع البالغ لهم قد منعهم من عرض خطوبهم، فالتجأ بعضهم



[ صفحه 190]



الي أن يكتب علي الجدران ما نابه من الخوف و الارهاق، ليطلع علي ذلك الجمهور من الناس. فقد كتب بعض العلويين علي جدار يجتاز عليه المهدي العباسي هذه الأبيات:



و الله ما أطعم طعم الرقاد

خوفا اذا نامت عيون العباد



شردني أهل اعتداء و ما

أذنبت ذنبا غير ذكر المعاد



آمنت بالله و لم يؤمنوا

فكان زادي عندهم شر زاد



أقول قولا قاله خائف

مطرد قلبي كثير السهاد



منخرق الخفين تشكو الجوي

تنكبه أطراف مرو حداد



شرده الخوف فأزري به

كذاك من يكره حر الجلاد



قد كان في الموت له راحة

و الموت حتم في رقاب العباد



فلما رأي المهدي ذلك رق له، و كتب تحت كل بيت: «لك الأمان من الله و مني، فاظهر متي شئت». فسأله بعضهم عن قائلها، فقال: انه عيسي بن زيد [1] و ذكر ذوالنون المصري: انه اجتاز علي قرية، فرأي بعض جدرانها و قد كتبت عليه هذه الأبيات:



أنا ابن مني و المشعرين و زمزم

و مكة و البيت العتيق المعظم



و جدي النبي المصطفي و أبي الذي

ولايته فرض علي كل مسلم



و أمي البتول المستضاء بنورها

اذا ما عددناها عديلة مريم



و سبطا رسول الله عمي و والدي

و أولاده الأطهار تسعة أنجم



متي تعتلق منهم بحبل ولاية

تفز يوم يجزي الفائزون و تنعم



أئمة هذا الخلق بعد نبيهم

فان كنت لم تعلم بذلك فاعلم



أنا العلوي الفاطمي الذي ارتمي

به الخوف و الأيام بالمرء ترتمي



فضاقت بي الارض الفضاء برحبها

و لم أستطع نيل السماء بسلم



[ صفحه 191]



فألممت بالدار التي أنا كاتب

عليها بشري فاقرأ ان شئت و المم



و سلم لأمر الله في كل حالة

فليس أخو الاسلام من لم يسلم



قال ذوالنون: فعلمت أنه علوي قد هرب من السلطة، و ذلك في خلافة هارون. و احتمل المجلسي أن تكون هذه الابيات للامام الكاظم عليه السلام. و قد ذكرنا في الحلقة الاولي من هذا الكتاب مناقشتنا لذلك.

و مهما يكن من أمر، فان العلويين و شيعتهم قد قاسوا أمر المحن و الخطوب في تلك الفترات المظلمة، حتي التجأوا الي رسم آلامهم علي الجدران لتطلع الجماهير علي مدي ما لحقهم من الضيم و الاضطهاد.

و صورت الابيات الاخيرة جانبا من احتجاج العلويين علي أحقيتهم بالخلافة و الرعاية لشؤون المسلمين، فهم أولي الناس بالنبي العظيم (ص) و انهم خلفاؤه علي أمته، و أن من تمسك بهم فاز في يوم حشره و نشره - كما أعلن ذلك جدهم (ص) - و مع هذا النسب الوضاح الذي لهم بالاضافة الي ما يتمتعون به من الفضائل و المآثر، فهم خائفون و جلون مشردون، يطاردهم الرعب و الفزع خوفا من الظالمين و الغاصبين لحقوقهم و تراثهم. و قد جلبت لهم هذه الجهات التي أعلنوها العطف و الرقة و الحنان في نفوس المسلمين و التذمر و الاستياء من أعدائهم.


پاورقي

[1] مقاتل الطالبيين: (ص 411 - 412).