بازگشت

الالتجاء الي التقية


و عمد العباسيون الي اضطهاد الشيعة رسميا في جميع المجالات، فطاردتهم و نكلت بهم حتي حفت بهم الاخطار الهائلة التي تنذرهم بالفناء و الدمار، فاضطر أئمة الشيعة. آنذاك - الي الامر بالتقية، حفظا علي أرواح البقية الباقية من شيعتهم و صيانة لدمائهم و أموالهم.

و التقية عبارة عن الحيطة و الحذر و كتمان العقيدة و خفائها، و قد نص



[ صفحه 192]



القرآن الكريم علي جوازها، قال الله تعالي: «لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، و من يفعل ذلك فليس من الله في شي ء، الا أن تتقوا منهم تقاة، و يحذركم الله نفسه و الي الله المصير» [1] .

و قد شدد أئمة اهل البيت (ع) علي شيعتهم بكتمان عقيدتهم و عدم اظهارها، و اخفاء الولاء لهم. فقد روي معمر بن خلاد قال: سألت أباالحسن موسي (ع) عن القيام للولاة، فقال (ع): قال ابوجعفر (ع): التقية ديني و دين آبائي، و لا ايمان لمن لا تقيه له» [2] .

و حدث درست بن ابي منصور، قال: «كنت عبد ابي الحسن موسي و عنده الكميت بن زيد، فقال له الامام: انت الذي تقول:



فالآن صرت الي أمية

و الامور الي مصائر [3] .



فقال الكميت: قد قلت ذلك، و الله ما رجعت عن ايماني، و اني لكم لموال و لعدوكم لقال، ولكن قد قلته علي التقية. فقال (ع): ان التقية لتجوز علي شرب الخمر» [4] .

و قد اولدت التقية السخط البالغ من الشيعة علي خصومهم، كما اوجبت تعصبهم لعقيدتهم و مبدئهم. يقول الاستاذ (اجناس جولد تسهير): ان عجز الشيعي عن المجاهرة بعقيدته الحقيقية التي يؤمن بها هو في نفس الوقت مدرسة للسخط الكامن الذي يكنه الشيعة لخصومهم الاقوياء، و هو سخط مبعثه عاطفه من الحقد الجامح و التصعب الثائر» [5] و قد عاب علي



[ صفحه 193]



الشيعة بعض خصومهم الاغبياء امر التقية، فراحوا يكيلون لهم الطعون عليها، مع انه لولا هذه الخطة الحكيمة لما بقي مذهب التشيع علي وجه الارض، و ذهب ذكر اهل البيت (ع) ادراج الرياح، نظرا للمحن الشاقة التي احاطت بهم، و النكبات السود التي واجهوها منذ فجر تأريخهم، و استمرت معهم متوالية الي مئات من السنين.

يقول الشيخ الطوسي: «لم تلق فرقة، و لا يلي أهل مذهب بما بليت به الشيعة، من التتبع و القصد، و ظهور كلمة اهل الخلاف حتي انا لا نكاد نعرف زمانا - تقدم - سلمت فيه الشيعة من الخوف و لزوم التقية و لا حالا عريت فيه من قصد السلطان و عصبته و ميله و انحرافه» [6] .

ان تشريع التقية لم يكن المقصود مته الا الحفظ علي دماء الشيعة، و صيانة أموالهم و أعراضهم من اولئك الحكام الجائرين الذين بذلوا المزيد من الجهود لتصفيتهم و القضاء عليهم، و انما تشرع التقية فيما اذا لم تكن لرواج الباطل و احياء الظلم، و ضياع الحق حسب ما نص عليه الفقهاء.


پاورقي

[1] سورة آل عمران، آية: 28.

[2] الوسائل - كتاب الامر بالمعروف و النهي عن المنكر.

[3] و في نسخة: و الامور لها مصائر.

[4] الوسائل: باب الامر بالمعروف.

[5] العقيدة و الشريعة في الاسلام: ص 181.

[6] تلخيص الشافي 1 / 59.