بازگشت

الاسراف في الجواري


كان هارون مولعا بالجواري حريصا كل الحرص علي الاستمتاع و التلذذ بهن حتي أفرط في ذلك و خرج عن جادة العدل و الشرع، و قد روي المؤرخون كثيرا من نهمه في ذلك فقد رووا قصته مع (غادر) جارية أخيه الهادي و قد حدث بها جعفر بن قدامة [1] قال: كانت غادر من أحسن الناس



[ صفحه 42]



وجها و غناءا و كان الهادي يحبها حبا شديدا، فبينما هي تغنيه يوما اذ عرضت له فكرة فسأله من حضر من خواصه عن ذلك فقال: قد وقع في فكري اني أموت و أن أخي هارون يتزوج جاريتي بعد ان يلي الخلافة. فقيل له: نعيذك بالله، و يقدم الكل قبلك. فأمر باحضار هارون و عرفه ما خطر له فأجابه بما يجب من ذلك. فقال: لا أرضي حتي تحلف اني متي مت لا تتزوجها، فحلف و استوفي عليه الأيمان من الحج راجلا، و طلاق الزوجات و عتق المماليك، و تسبيل ما يملكه، ثم أحلفها بمثل ذلك فحلفت فلم يمض علي ذلك الا شهر فمات الهادي و بويع الرشيد، فبعث الي غادر و خطبها، فقالت كيف نصنع بالايمان؟ فقال: أكفر عن الكل و أحج راجلا، فأجابت و تزوجها و زاد شغفه بها حتي انه صار يضع رأسها في حجره، فتنام فلا يتحرك حتي تنتبه فبينما هي نائمة ذات يوم اذ انتبهت فزعة تبكي فسألها عن حالها، فقالت: رأيت أخاك الساعة في النوم و هو يقول لي:



أخلفت وعدي بعدما

جاورت سكان المقابر



و حلفت لي [2] .

أيمانك الكذب الفواجر



و نكحت غادرة أخي

صدق الذي سماك غادر



أمسيت في أهل البلا

و غدوت في الحور العوائر [3] .



لا يهنك الالف الجديد

و لا تدر عنك الدوائر



و لحقت بي قبل الصباح

و صرت حيث غدوت صائر



و الله يا أميرالمؤمنين، و كأني أسمعها و كأنما كتبتها في قلبي فما نسيت منها كلمة، فقال لها الرشيد: أضغاث أحلام، فقالت: كلا، ثم لا تزال



[ صفحه 43]



تضطرب، و ترتعد حتي ماتت بين يديه [4] و دلت هذه البادرة علي مدي شرهه و مخالفته للشرع الاسلامي بحنثه الأيمان التي أعطاها لأخيه علي عدم زواجه بها كما خالف الشرع بزواجه بها و هي في عدتها، و قد حرم الاسلام ذلك و حكم بحرمة المرأة مؤبدا علي الزوج.

و بلغ من ولعه بالجواري أنه هجر جاريته (ماردة) و ندم علي ذلك حتي كاد أن يموت من شغفه بها فتكبر أن يبدأها بالصلح و تكبرت هي ايضا فصبرا علي مضض و كاد ان يتلف، ففهم ذلك وزيره الفضل بن الربيع فدعا بالعباس بن الأحنف و عرفه الامر» و قال: قل في ذلك شيئا فقال:



العاشقان كلاهما متجنب

و كلاهما متعتب متغضب



صدت مهاجرة و صد مهاجرا

و كلاهما مما يعالج متعب



ان التجارب ان تطاول منهما

دب السلو له فعز المطلب



فبعث اليه الفضل بالأبيات فسر بها سرورا بالغا، و لم يتم الرشيد قراءتها حتي قال العباس أيضا بيتين في ذلك و هما:



لابد للعاشق من وقفة

تكون بين الوصل و الصرم



حتي اذا الهجر تمادي به

راجع من يهوي علي الرغم



فاستحسن الرشيد ذلك، و قال: لأصالحنها ثم انطلق اليها فصالحها و عرفت ماردة السبب من الشعر و لم تدر من قاله: فأرسلت الي الفضل تسأله عنه فأعلمها فأمرت له بألف دينار، و أمر له الرشيد بألفي دينار [5] و تعلق هواه بجارية فأمر وزيره يحيي أن يدفع ثمنها و كان مائة الف دينار فاستكثر يحيي المال، و اعتذر عن دفعه فغضب الرشيد، فأراد يحيي ان يبين له مقدار ما يتحمله بيت المال من هذا الاسراف الذي لا مصلحة فيه و لا منفعة



[ صفحه 44]



للدولة، فجعل ذلك المال دراهم فبلغت نحو مليون و نصف مليون درهم فوضعها في الرواق الذي يمر به الرشيد اذا أراد الوضوء، فلما رأي ذلك الرشيد استكثره و أدرك اسرافه. ولكنه في نفس الوقت شعر بالجرأة عليه [6] .

و كان يهب الأموال الجزيلة لجواريه، و يجزل لهن في العطاء، فقد روي المؤرخون أنه أوفد الحرشي الي ناحية الموصل فجبي له منها مالا عظيما من بقايا الخراج، فوافاه به، فأمر بصرفه أجمع الي بعض جواريه، فاستعظم الناس ذلك، و تحدثوا به، و اصاب ابوالعتاهية من ذلك شبه الجنون فقال له خالد بن ابي الأزهر:

- ما لك يا أباالعتاهية؟

- سبحان الله أيدفع هذا المال الجليل الي امرأة!! [7] .

ان هذه الهبات الضخمة الي جواريه قد أثارت عليه سخط الاخيار و نقمة المتحرجين في دينهم، فقد خالف بها عما الزم به الاسلام من الاحتياط الشديد في اموال المسلمين، و حرمة صرفها في غير صالحهم.

و علي أي حال فقد كان شغوفا بالجواري، و هام بهن، و كان لا يتحرج في سبيل شهواته الجنسية من الاقدام علي ما حرمه الله، فقد شغف بجارية لأبيه المهدي كان قد دخل بها فامتنعت عليه و قالت له: «لا أصلح لك ان أباك قد طاف بي».

و زاد غرامه بها فأرسل خلف الفقيه أبي يوسف فقال له:

«أعندك شي ء في هذا؟»

فأفتي أبويوسف بما خالف كتاب الله و سنة نبيه قائلا:



[ صفحه 45]



«يا أميرالمؤمنين أو كلما ادعت أمة شيئا ينبغي أن تصدق، لا تصدقها فانها ليست بمأمونة».

و قد أفتي ابويوسف بما يوافق هوي هارون، و اعرض عما حكم به الاسلام من تصديق النساء علي فروجهن، و قد علق ابن المبارك علي هذه البادرة بقوله:

«لم أدر ممن أعجب: من هذا الذي قد وضع يده في دماء المسلمين و اموالهم يتحرج عن حرمة أبيه، أو من هذه الأمة التي رغبت بنفسها عن أميرالمؤمنين، او من هذا فقيه الأرض و قاضيها!! قال اهتك حرمة أبيك، و اقض شهوتك، و صيره في رقبتي..» [8] .

و هناك فتاوي كثيرة افتي بها أبويوسف علي وفق رغبات هارون، و هي تخالف ما أثر عن الاسلام، و كان الرشيد يجزل له العطاء علي ذلك فقد افتاه بما يتفق مع ميوله فأمر له بمائة الف درهم [9] .

و علي اي حال فان الرشيد قد اسرف في الجواري و كانت له جارية تدعي هيلانة، أقامت معه ثلاث سنين ثم ماتت فوجد عليها وجدا شديدا ثم قال يرثيها:



قد قلت لما ضمنوك الثري

و جالت الحسرة في صدري



«اذهب فلا و الله ما سرني

بعدك شي ء آخر الدهر»



و رثاها العباس بن الأحنف بأربعين بيتا فأمر له الرشيد بأربعين الف درهم [10] و نظرا لولعه الشديد بالجواري فقد بالغ في اقتنائهن حتي بلغ عددهن الفي جارية



[ صفحه 46]



علي اختلاف اجناسهن منهن الروميات و السنديات و الفارسيات [11] و قد اشتري جارية من الموصلي بستة و ثلاثين الف دينار [12] و تحدث أهل بغداد عن جارية تسمي (خنث) و تلقب بذات الخال افتتن بها الشعراء و المغنون فاشتراها بسبعين الف دينار، و ادخلها في قصره [13] و كان لا يترك جارية حسناء تعرض للبيع الا اشتراها، و لم يحتو قصره علي جارية قيمتها أقل من عشرات الآلاف من الدراهم أو الدنانير [14] و هذه الجواري تحتاج الي النفقات الكثيرة من الحلي و الالبسة و الزينة، و من المعلوم أن تلك النفقات الضخمة لم تكن من أمواله الخاصة فقد كانت من بيت مال المسلمين الذي حرم الاسلام انفاق الي شي ء منه علي مثل هذه الامور.


پاورقي

[1] جعفر بن قدامة: قال فيه الخطيب البغدادي: أحد مشايخ الكتاب و علمائهم، وافر الأدب، حسن المعرفة، و له مصنفات في صنعة الكتابة و غيرها، تأريخ بغداد (ج 7 ص 207) توفي سنة 319 كما في معجم الادباء.

[2] نقصان في نسخة الأصل.

[3] العوائر: جمع عائرة من عارت و تعير أي ذهبت و جاءت.

[4] نساء الخلفاء: ص 46.

[5] طبقات الشعراء لابن المعتز: (ص 356 - 357).

[6] تأريخ الطبري: (ج 3 ص 332).

[7] الاغاني 4 / 67.

[8] تأريخ الخلفاء: ص 291.

[9] تأريخ الخلفاء: ص 291.

[10] نساء الخلفاء: (ص 54 - 55).

[11] هارون الرشيد: ص 85.

[12] الاغاني: (ج 5 ص 7).

[13] الاغاني: (ج 15 ص 85).

[14] هارون الرشيد: (ج 1 ص 264).