بازگشت

لا تكن امعة


جاء في الحديث عنه فيما أوصي به أحد أصحابه الفضل بن يونس قال: أبلغ خيرا و قل خيرا و لا تكن امعة قال: ما الأمعة؟

قال لا تقل: أنا مع الناس و أنا كواحد من الناس، أن رسول الله (ص) قال: «يا أيها الناس انما هما نجدان [1] نجد خير و نجد شر فلا يكن نجد الشر أحب اليكم من نجد الخير».



[ صفحه 35]



و هذا خط واضح في تحديد الموقف الحاسم من خلال الدراسة العميقة الواعية المنفتحة علي الواقع كله من جميع جوانبه لتكون عملية الاختيار ناتجة من استعراض كل الاحتمالات، حيث يتحدد الرأي الشخصي للانسان بالمستوي الذي يتحمل في مسؤولية كل النتائج المترتبة عليه من خلال قناعاته المبنية علي الفكر المسؤول فلا ينبغي للانسان بل لا يجوز له أن يخضع في موقفه للجو العام من حوله ليكون مجرد صدي للآخرين فيما يقولونه أو فيما يتخذونه من الموقف، لأن في ذلك انتقاصا من كرامة عقله.

و حطا من منزلة انسانيته، و ابتعادا عن احترام ارادته، اذ لا معني لخضوع الانسان لقرارات الآخرين الذين لا يملكون العصمة في فكرهم من دون أن يعرف الأساس في هذا القرار أو في هذا الموقف ليكون علي بينة من أمره عندما يكون علي بينة من الجذور الفكرية لذلك الأمر.

و كيف يأمن لهؤلاء الذين قد تتحكم فيهم شهواتهم، و قد تحكم عليهم نقاط ضعفهم، و قد ينطلقون فيها من مواقع انفعالية عاطفية، مما قد يعرض القضايا التي ترتبط بهم للخطر عندما يكون القرار الصادر منهم شرا و فسادا و خللا في مواقع الحق.

ان الاسلام، فيما يتحدث به الامام عليه السلام، لا يريد للانسان أن يتهرب من مسؤولة فكره في تحديد موقفه، و في تأكيد قناعاته بل يريد له أن يحركه في كل موقع من مواقع الحركة في حياته.. فان الله لم يجعل فكر الآخرين عذرا له اذا كان في موقع الخطأ ما لم يكونوا في مستوي العصمة، أو في مستوي الثقافة الاجتهادية التي تلزم الآخرين أو تجيز لهم الالتزام بمضمونها الفكري و العلمي، هذا من جهة..

و من جهة أخري، فان الله يريد للانسان أن يربي عقله كما يربي جسمه، حتي يستطيع بعقله أن يتحرك في المواقع القيادية للحياة، ليمنح الساحة من ابداعاته، و ليفتح لها أبواب التقدم و التطور فيما يمكن أن ينتجه فكره.

و كما أراد للناس أن يفكروا مع قياداتهم، و مع الناس الآخرين فقد أراد



[ صفحه 36]



للقيادة أن تفكر مع الناس و ذلك فيما نستوحيه من قوله تعالي لنبيه محمد (ص) «و شاورهم في الأمر فاذا عزمت فتوكل علي الله».

فان الظاهر أن المقصود من ذلك هو تعويد النبي لأصحابه بأن يفكروا معه فيما يطرحه معهم من الأمور العامة أو الخاصة ليعتادوا علي تحريك فكرهم حتي يتعلموا كيف يكونون قادة للفكر في المستقبل.

ان الاسلام يريد للأمة كلها أن تفكر بحسب الحجم الثقافي الذي يملكه الأفراد لأن التدرب علي اثارة الفكر في العقل يعطي القوة، و النمو، و الانفتاح فيما يغني التجربة العامة للأمة و يحولها الي طاقات متحركة تتنامي و تتلاقح و تنتج الكثير من عناصر الخير و الحياة، و يكشف لنا عن كثير مما لا نستطيع اكتشافه في حالات السكون و الركود.

و قد وضع الامام الكاظم (ع) العنوان العام للمسألة في الدعوة الي ابلاغ الخير للناس، و الي قول الخير في واقع حياتهم، مما يجعل القضية تحمل معني المسؤولية في تحديد الخير في مواقعه في الحياة، مما لا يستطيع معرفته الا من خلال الرجوع الي القاعدة الفكرية التي يرتكز عليها عقله في حركته نحو اكتشاف المجهول.

و في ضوء هذا، لابد من أن يواجه الموقف علي أساس أنه يملك الفكر المستقل الذي يتحرك بأصالة ليحدد النتائج فيما تتضمنه من الخير أو الشر.. فلا معني لأن يقول أنا مع الناس فيما يتحركون به، و أنا كواحد من الناس فيما يتخذونه من موقف تماما كما هي الورقة في مهب الريح، و كما هي الخشبة في مجري التيار فان أمثال هذا الشخص يعانون الضعف الشديد للشخصية لأنهم لا يطيقون الانفراد بالموقف عن الناس، أو يخافون الوحشة في ذلك، أو يرفضون التعب في مسألة التفكير و لذلك فهم يتركون للآخرين أن يقرروا أن يفكروا يتخذوا المواقف، و يحددوا المواقع من دون اعتبار لطبيعة أفكارهم و قراراتهم و مواقفهم، فيما يمكن أن يكون فيها من خير أو شر... تماما كما يقول الشاعر:



[ صفحه 37]



و ما آنا الا من غزية ان غوت

غويت و ان ترشد غزية أرشد



فقد رفض رسول الله (ص) ذلك من كل الناس، لأن الحياة في جميع ساحاتها تخطط لطريقين، طريق الخير و طريق الشر فلا بد للانسان من أن يميز أحدهما عن الآخر ليلتزم طريق الخير الذي أراد الله منه أن يلتزمه، و يرفض طريق الشر الذي أراد له أن يرفضه، فلا يبقي حائرا بينهما، و لا يتخذ موقف اللامبالاة أو السلبية من التحديد من ذلك كله.


پاورقي

[1] النجد الطريق الواضح المرتفع.