بازگشت

كيف نعالج التشاؤم


جاء في الفقيه، فيما رواه محمد بن علي بن الحسين باسناده عن سليمان بن جعفر الجعفري عن الحسن موسي بن جعفر الكاظم عليه السلام قال: الشؤم للمسافر في طريقه في خمسة: الغراب الناعق عن يمينه، و الكلب الناشر لذنبه، و الذئب العاوي الذي يسوي في وجه الرجل و هو مقع علي ذنبه، ثم يعوي، ثم يرتفع، ثم ينخفض ثلاثا، و الظبي السانح عن يمين الي شمال، و البومة الصارخة و المرأة الشمطاء تلقي فرجها، و الأتان العضباء يعني الجدعاء، فمن أوجس في نفسه منهن شيئا فليقل: اعتصمت بك يا رب من شر ما أجد في نفسي فاعصمني من ذلك، فيعصم من ذلك [1] .

ان الظاهر من هذا الحديث، أن الامام لا يريد أن يؤكد وجود حقيقة للتشاؤم في هذه الأمور، باعتبار أنها نذير طبيعي للشؤم في خصائصها الذاتية بل يريد أن يشير اليها، من حيث الحالة الشعبية العامة الجارية علي التشاؤم بها، فيما يرونه فيها من خصائص معينة في طبيعتها، أو فيما غلب العادة عندهم في مصاحبتها لبعض حالات الشؤم، و لو بطريق الصدفة، مما جعل تصورها مقارنا لاستحضار صورة الشؤم معها..

و لما كان التشاؤم غريبا عن الذهنية الاسلامية المنفتحة علي الله من موقع الثقة به و التوكل عليه، فلا بد من أن يرجع الانسان المسلم أمام هذه الأشياء، الي ايمانه بالله، فلا يهزه الخوف، أو يسقطه التطير، و لا يتجمد في مشاريعه العملية من سفر أو غيره تحت تأثير ذلك بل يعمل علي ان يقوم بطريقة ايحائية، في الايحاء لنفسه بأن هذه الأمور مهما كانت تحمل في صورتها أو طبيعتها، من التهاول المخيفة، فان الله الذي خلقها يملك أمرها، كما يملك أمر الانسان في جميع قضاياه و لذلك فلا بد من مواجهة الموقف بالتحدي العنيف للخوف في حركة المشاعر بالاعتصام بالله، الذي يعصم عباده المؤمنين من كل شر.. و يؤكد الامام الكاظم، أن الله يعصمه من ذلك، فيلقي في نفسه الشعور العميق بالقوة و يثير في موقفه الثبات بالثقة... و يدفع عنه في حركة الأوضاع المحيطة به كل سوء.

و قد نلاحظ في التدقيق في التعبير، قول الامام، فمن أوجس في نفسه منها شيئا أن المسألة تدخل في نطاق المشاعر النفسية التي قد تتحرك نتيجة التربية الذاتية القائمة علي أساس التقاليد الشعبية التي يلتصق بها الانسان في مشاعره و خطواته العملية بشكل لا شعوري، بحيث يختزن تأثيراتها في داخله، عفويا، من دون أية محاكمة عقلية، أو تفكير موضوعي.. و هذا هو الذي يؤكد المعني الذي قدمناه، من عدم ارتباط المسألة بالواقع..

مما يجعل للمعالجة النفسية الايمانية دورها الكبير لأن القضية ليست قضية فكرية لتعالج بالأسلوب الفكري لأن الناس لا تعيش هذا الأفق في ارتباطها بهذه الأمور، بل هي قضية نفسية لا بد من معالجتها بالوسائل النفسية المتصلة بالعمق الايماني في العقيدة بالله القادر علي كل شي ء، و المهيمن علي كل شي ء.. و هذا هو الذي نلاحظه في الحديث الشريف الذي يؤكد علي أن «كفارة الطيرة التوكل [2] «و علي أن الطيرة من الأمور التي تختزنها الذات فيما تختزنه من عناصر التأثر بكل ما حولها من التهاويل الناشئة من



[ صفحه 46]



ضعظ الواقع، أو من التصورات الشعبية العامة التي تلقي ظلالها عليه..

و ذلك في الحديث الشريف الذي يقول ثلاث لم يعرفها نبي، وعد منها الطيرة «و أراد للانسان أن يمضي عند عروض الطيرة له، فلا يتوقف أمام مشاعر الخوف التي تتحرك في داخله في معها».

و لعل هذا هو ما نستوحيه من الحديث المروي عن الامام جعفر الصادق (ع) قال أبوعبدالله (ع) الطيرة علي ما تجعلها ان هونتها تهونت، و ان شددتها تشددت، و ان لم تجعلها شيئا لم تكن شيئا [3] و الحديث المروي عن أبي الحسن الثاني (الامام الرضا (ع) (فيما رواه في الفقيه قال: كتب بعض البغداديين الي أبي الحسن الثاني «عليه السلام» يسأله عن الخروج في يوم الأربعاء لا يدور، فكتب «عليه السلام»: من خرج يوم الأربعاء لا يدور، خلافا علي أهل الطيرة وقي من كل آفة، و عوفي من كل عاهة، و قضي الله له حاجته [4] .

ان الفكرة التي تحكم كل هذه الأحاديث هي أن التطير لا ينطلق من واقع موضوعي في الأمور التي يتطير الناس منها، بل هناك عادات معينة تحولت الي سلوك بشري عام، و الي أوضاع نفسية داخلية صعبة، فلا بد من مواجهتها بالموقف المضاد الذي يمثل صدمة قوية للمشاعر و بالوسائل الايمانية التي تفتح قلب الانسان علي مواقع الثقة بالله في كل شي ء، و التوكل عليه في كل أمر..

و في ضوء ذلك تستطيع أن نواجه الأفكار التي أثارتها بعض الأحاديث في التأكيد علي نحوسات الأيام و الأبراج و نحوها لنخضعها للقاعدة العامة التي تنفي التطير من الأساس كسلوك عام، و توجه الانسان المسلم الي عدم التوقف أمام كل الأوضاع و الأزمان التي تحمل في داخلها بعض التهاويل الشعورية من خلال العادات الشعبية المتخلفة.



[ صفحه 47]



اننا نريد أن نؤكد علي ذلك، لأن الطريقة التي يثير فيها الأسلوب الفقهي، مسألة المكروهات في باب السفر و في أبواب الأعمال العادية المتعلقة بأوضاع الأنسان العامة و الخاصة، قد يؤدي الي الكثير من الشلل و الجمود علي المستوي العملي بحيث تتعطل مسيرة الحياة العامة للانسان فتؤدي الي كثير من الأضرار النفسية و الاجتماعية و الاقتصادية.. و قد تنعكس في بعض الحالات علي الأوضاع السياسية عندما تتحول الأمة الي أمة خائفة من الزمن في نشاطاتها العامة و الخاصة.



[ صفحه 51]




پاورقي

[1] الفقيه ج 1 ص 96.

[2] الروضة ص 198.

[3] الروضة ص 197.

[4] الفقية ج 1 ص 95.